بغداد ـ الصباح الجديد: برغم التجارب الكثيرة والمهمة، في كتابة قصيدة النثر، ومرور وقت طويل على كتابة أول نص شعري وفقا لمتطلبات قصيدة النثر، لكن ثمة جدال يثار هنا وهناك، حول المفهوم، ثمة اشكاليات تطرح في أوساط ثقافية وأكاديمية، حول طبيعة قصيدة النثر: هل هي من الشعر أم من النثر أم من جنس مختلف؟ الصباح الجديد، أخذت أراء شعراء حول الموضوع، لاطلاع القارئ على مديات قصيدة النثر، وما يثار ضدها ولها. صفاء سالم اسكندر: مسألة تعريف قصيدة النثر، أو النص النثري، صارت بلا جدوى. كل شيء عند العرب، مسألة خلاف، نادرًا ما تجد مسألة تقع خارج هذا الإطار، فليس مستغربًا، أن يكون الخلاف ماض إلى اليوم، وأن لم يكن مدويًا، لكنه صار معيبًا، فالإبداع، لم يعد مقيدًا بجنس أدبي، ولا يحيط نفسه بالقواعد بصورة تامة، إنما يعتمد الصورة الشكلية له، التجريب هو الميدان الحقيقي للإبداع، ولو نظرت إلى جملة ما نكتبه، نحاول قدر الإمكان تعريته من الانتماء إلى بيئة التراث واللغة العربية، وكأن الأمر فيه تقديرًا يغالط نفسه، أو يغالي، لو جذرت نصك إلى هذا الانتماء على وفق التجريب، وهذا انقلاب جاهل على التراث، في حقيقته يفتقد إلى القراءات المهمة للشعرية العربية، والسردية، التي أجدها أكثر أهمية، كون الروح التي فيها تقارب الاشتغال الذي نعمل عليه في الوقت الحالي، وهذه الروح الكونية، والزمانية في النص، أثبات قدرة. القصد أن كل تجريب، وتحديث للنص، يأتي من هضم سابق للذي قبله، هو لا يعتمد على الافتعال، كل شيء له مقاييسه التي يخرج منها، ويخرج عليها، فكرة التمرد على التراث لا تعني نسفه، المسببات لها جدولها في صناعة الجديد أيضًا. في النهاية، مسألة تعريف قصيدة النثر، أو النص النثري، صارت بلا جدوى، فلقد أخذت مكانها، وصار لها المريد، ما يعني أنها أمر واقع، شاء من شاء. عبد الامير خليل مراد: ان قصيدة النثر, كما ترى سوزان برنار انها جنس, لا يعرف لأنها ضد القواعد ولأنها جنس مفتوح حيث اجملت تعريفات هذه القصيدة بتسع نقاط وقد ذهب, أكثر, المنظرين الى ان قصيدة النثر, من ناحية التسمية تنطوي, على اشكاليات عدة وقد رأى بغضهم ان تسميتها بالجنس الثالث أي, أنه بين الشعر, الخالص, والنثر, الخالص وله جذور, عربية وعالمية. أما في, العربية فقد اتخذت, قصيدة النثر موجهات تنظيرية عديدة حيث رأينا استسهال كتابتها والادمان على توظيفها كفن ابداعي, جديد في الكثير من المحافل والمؤسسات الثقافية. وقد أصبحت راهنا, جنسا حاضرا ومألوفا في الدراسات الأكاديمية حيث صدرت, دراسات عدة وهي تتناول هذه القصيدة بالقراءة, والتمحيص وشاهدنا بوضوح استسهال كتابتها, عند الطارئين والادعياء والموصوفين بمهنة الكتابة الشعرية ظنا منهم بأن هذه القصيدة هي أسهل من قصيدة العمود وقصيدة التفعيلة لكونها خالية من عروض الشعر العربي وقوانينه الصارمة وبالعكس, ان اي, شاعر لا يمر بكتابة العمود والتفعيلة لم يستطع كتابة قصيدة النثر بصورتها الناضجة. واعد هذا الجنس من الكتابة هو أصعب الفنون الادبية, فالشاعر, يستطيع ان يقدم أو يؤخر في قصيدة العمود من دون ان يتأثر, المعنى لأنها قصيدة لا تملك وحدة موضوعية ثابتة بل ان التغيير في التقديم او التأخير لن يضر, ذلك في شيء من هوية القصيدة ورؤيتها في حين نرى قصيدة النثر لا تستجيب لمثل هذه التحولات في بنيتها الاساسية لأنها قصيدة ذات وحدة موضوعية ثابتة قائمة في, المقام الأول على رؤيتها ووحدتها الفنية والموضوعية. لقد اصبحت اليوم هذه القصيدة شغل الكثير, من الادعياء الذين لا يملكون ادوات الكتابة الحقيقية عبر الدخول الى تقنياتها الصعبة عبر الفعاليات الثقافية. ونرى كيف ان هذه القصيدة قد فقدت هيبتها وتم استباحتها علنا وتدمير نماذجها الإبداعية المنتظرة والاستهانة بما تنطوي عليه من أفكار ورؤى وأدوات. لقد مرت هذه القصيدة بمراحل نمو تاريخية متنوعة منذ تأسيسها في العام 1954 ولحد يومنا هذا حيث قامت مجلة شعر اللبنانية 1957 على ترسيخ وجودها في الثقافة العربية وتأسيس الرؤى الاولية لكتابة قصيدة النثر على يدي الشاعرين توفيق صايغ وجبرا إبراهيم جبرا، وهما ينتميان الى الثقافة الانكليزية وقد اصدرا دواوين عدة في قصيدة النثر. ولأجل ان تبقى هذه القصيدة في جذوتها المستمرة علينا استبعاد التجارب المشوشة والتحارب اللحظوية العابرة وينبغي ان نعول على التاريخ الشعري الرائد والعميق وان نستنجد بالثقافة الكونية التي تتمثل في شاعر قصيدة النثر وهو يرود هذا العالم المتخم بالويلات والمفاجآت والحالم بإنتاج قصيدة ملحمية وكونية تستغرق همومه واوجاعه منذ سطورها الأولى والنهوض بهذا الكوكب من اوجاع العولمة والاستبداد ومصادرة الحياة على هذا الكوكب المملوء بالتناقضات والمخاوف المستديمة. ريسان الخزعلي: قصيدة النثر ومراودة الشعر الشعر يتغيّر كما تتغير الحياة ، يتغير بفعل التحولات : الفكرية ، الفلسفية ، السياسية ، الاقتصادية، العلمية، الاجتماعية ..الخ ويأخذ اشكاله ومضامينه تبعاً لهذه التحولات ومديات تأثيرها في وعي الشاعر ومدركاته الحسيّة ، وكذلك في لا وعيه وباطنيته ، فالشاعر فرد من مجتمع وليس فرداً في مجتمع . وقصيدة النثر في الشعرية العراقية والعربية عموماً جاءت بعد الهزّة النوعية التي أحدثها الرواد : السياب ، البياتي ، نازك الملائكة ، بلند الحيدري ، في شكل القصيدة ذات الشطرين الافقيين ، أي القصيدة الافقية ، وهي التسمية الأدق من التسمية المعتادة – القصيدة العمودية . وقد أُطلق على هذه الهزّة ثورة الشعر العربي الحديث نظراً لجدّة وحداثة الشكل والمضمون اللذَين جاءت بهما رغم المحافظة على الوحدات ( الخليلية ) ذاتها ولكن بتنويع ايقاعي مغاير عددياً، اضافة الى التنويع في التقفية : التقفية الخارجية والداخلية ، وغيرها من الجماليات. لقد جاء التحوّل متأصلاً وذاهباً الى التأصيل ، ومع ذلك واجه التردد في القبول والتلقي ..، ( والكلام هنا يحتاج الى الكثير من الاستطراد ) . قصيدة النثر – كشكل لاحق في الشعرية العراقية والعربية – جاءت بفعل من خارج التأصيل ، جاءت بفعل تحولات شعرية أوروبية ، الفرنسية تحديداً ، بعد أن كشفت ( سوزان برنار ) بتنظيراتها اللامعة عن اسلوبية وجماليات هذه القصيدة ، وقد لفتت الانتباه اليها كثيراً ، وتلقف تنظيراتها الكثير من الشعراء وبخاصة جماعة مجلة شعر اللبنانية . نعم ، قصيدة النثر ، وبعيداً عن التفصيل والاشارة الى جذور النثرية العربية لاسيما في شقّها الصوفي ، تحقق الآن حضوراً عالياً بنماذجها النوعية المتقدمة وشعرائها المثقفين برغم كثرة مَن يستسهل كتابتها بمناخ انشائي . إنَّ أهم ما تواجهه قصيدة النثر في التلقي، هو غياب الايقاع متناوب التكرار – الايقاع الموسيقي ، باعتبار أن َّ الشعر يقوم اساساً على تنغيم موسيقي يُشاغل حاسة السمع وعمق الانصات . لقد اجترح منظّروها بدائل اخرى للإيقاع الموسيقي : التوازي ، الفراغات ، التكرار ، الصورة ..، ومع ذلك ظلَّ هذا الاجتراح زائغاً ، مما جعلها في تضاد مع قصيدة الشعر. الّا أن المهم فيها هو مراودة كمية الشعر المكتنزة في النثر وتطويعها في نصوص مركّزة وأُخرى مفتوحة…، انها في المركز الشعري حين يتحقق ثبات الموهبة والثقافة والتجربة.
مشاركة :