مستطيل العسم

  • 1/9/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

سوسن دهنيم كيف يمكن للأماكن البسيطة أن تأسرك؟ أن تقع في حبها وكأنها الجنة؟ أن تستمتع بتفاصيلها وتعشقها حتى تلك التي قد تغدو في مكان آخر نقطة ضعف؟. هي البساطة، تلك السمة التي نبحث عنها اليوم في خضم هذا التعقيد الكبير من حولنا. بساطة هذه الأماكن هي مفتاح اللغز. كان المستطيل حميماً أكثر مما ينبغي له أن يكون بديعاً بابتسامة صاحبه وضحكته الطفولية، مشرقا بروح مؤسسه، مأهولاً بالصور والضحكات والحروف والكتب وعبق الماضي الجميل وذكرياته. ابتداءً بالسرير المعدني المركون خارجاً والذي اعتراه الصدأ، وهو التركة الباقية عن الوالد. مروراً بشجرة اللوز التي تمد اخضرارها حتى تلون به قلوب من يمر بها. وصولاً لعفوية الداخل وبساطته المستحيلة. مستطيل الشاعر أحمد العسم برأس الخيمة. الذي أسسه في البيت الذي ورثه عن أبيه فآثر أن تكون صومعته التي يكتب فيها ويتأمل الكون من خلالها ويبدع في كل مرة مشروعاً جديداً ينطلق منها. لكن هل يمكن أن نطلق عليها صومعة وهي التي لا تخلو من الضيوف؟. يستقبلهم العسم بابتسامته ويودعهم بها. برائحة القهوة العربية، واحمرار الشاي المعد على مهل و(الكرك) الذي يبدو مختلفاً عما في الأكشاك والمقاهي، والحلويات التي تأخذك لزوايا منسية من ذاكرتك. الضيافة ليست الشيء الآسر الوحيد هناك، بل تلك المكتبة المتعددة الاهتمامات التي ما إن تقف أمامها حتى تشعر بأن المكان يتحدث إليك، بل وقد تسمع من صاحبها خذ ما شئت منها أو استعر منها ما تريد. أي كرم هذا الذي يجعل شاعراً يُعير ضيوفه مكتبته وهو يعلم أن كثيراً منها لن يعود؟. في الداخل تكمن المكتبة الأخرى حيث إصداراته التي يشرعها أمام أصدقائه حرفاً حرفاً لينتقوا منها ما يشاؤون. مستطيل أسسه العسم «ليجمع فيه الشاعر عظامه» كما كتب في صدر المكان. زيّن جدرانه بصور الأصدقاء والمريدين وزملاء الحرف. ولم ينسَ أن يترك «جداراً للإنسانية» كما وصفه، ينشر عليه ما يعجبه من صور تحمل طابعاً إنسانياً بحتاً. إضافة إلى وريقات تحمل شذرات من كلامه ونصوصه. العسم صاحب الحرف العصي على النسيان، والابتسامة التي ترافقك حتى بعد مغادرتك مكانه، وصاحب الروح الطيبة الكريمة.. شكراً لأنك خلقت هذا المستطيل وجعلته ملاذاً للأصدقاء. sawsanon@gmail.com

مشاركة :