أحمد العسم: «المستطيل».. يسرد يوميات الزمن الجميل

  • 4/26/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يستعيدُ الشاعر أحمد العسم الذاكرة المتصلة بنهارات شهر رمضان ولياليه من خلال صور ذهنية تحتفظ في عمقها بتفاصيل جميلة وإبداعية، هي أقرب للألفة والتآلف مع خيالات طفل يبحث عن ذاته، ويزخرف بأنامله صلصال الشجن، وسط عالم يكبر سريعاً دون أن يمنح الشاعر فرصة الالتصاق بالوقت الذي أحبّه وتعلّق به وهو صغير، عندما كان على يقين بأن فردوس الطفولة لن يمسّه الذبول والعَطَب..! هو الطفل الذي عرف مبكراً اختبارات العشق، ومدارات الهيام، فوثّقها في قصيدته الأولى، ثم نقشها على جدران «السكيك» العتيقة، وكتب أبجديتها الخضراء على حائط بيته القديم. في الفرجان المنسيّة والمرتحلة إلى آخر الشوق برأس الخيمة، مثل «ميان» و«محارة» و«هل علي» وتحت ظلّ غافة، وعلى جذع سدرة، وجد الشاعر نفسه فجأة في فضاء مشهديّ رحبٍ: يستضيف الشمس، وتبدّد ظلمته زيارات القمر. ألبوم ثقافي يرى أحمد العسم أن الشعر هو الترجمان الصادق لطفولة العالم، وهو العزاء الأخير لكل من خذله الفقد، وأنهكه الغياب، وبالتالي فإن حلول شهر رمضان يفتح أمامه الألبوم الثقافي على مصراعيه، كي تخرج منه صور الراحلين تباعاً، وكي تحلّق في سمائه وجوهٌ شاخصةٌ لشعراء وروائيين وكتاب قصة تركوا بصمتهم في روحه ومضوا، مشتغلاً لوحده على ترميم ملامحهم الأثيرة، وضحكاتهم الصاخبة في المقاهي، وشغبهم الجميل، حيث يتذكر العسم الحضور المضيء لأحمد راشد ثاني، وجمعة الفيروز، وثاني السويدي، وعبدالله الناوري، ليعيد إنتاج ما سقط منهم سهواً على صفحات بيضاء، تشبه أطيافهم، وتندمج بشفافية بالغة مع ما تركوه من عاطفة إنسانية نادرة، ومن إرث شاهق أودعوه رمال وشواطئ وجبال هذه الأرض. ويصف أحمد العسم صديقه الراحل جمعة الفيروز بأنه «أعلى من جبل جيس»، ويرتبط أحمد راشد ثاني في الذاكرة بجمل وعظمة خورفكان، ليؤكد أن حسّه المرهف يتجلّى في شهر رمضان بشكل مغاير وأكثر افتتاناً بصور الغائبين، مقارنة بالشهور الأخرى. صالون «المستطيل» بمنزل العسم (من المصدر) صالون «المستطيل» بمنزل العسم (من المصدر) إبداعات «المستطيل» ويشير العسم إلى أن طقوسه الرمضانية هذه السنة تختلف عن السنوات الماضية، حيث اختار مكاناً منعزلاً في البيت، يعتبره بمثابة صالون أدبي أطلق عليه اسم: «المستطيل» والذي يقضي فيه جلّ وقته، ويشرع فيه بالقراءة والكتابة، وتجديد الطاقة الإبداعية من خلال التأمل واستعادة اللحظات المتسرّبة من قبضة النسيان ومن حصار الزمن، مضيفاً أن «المستطيل» بات يشكلّ موئلاً لرفاق الكتابة، ورفقاء الشعر، يتداولون فيه شؤون الفكر والفن والمسرح والثقافة، ويقضون فيه وقتاً ذهبياً وحميمياً، بعيداً عن ضجيج الخارج بتحولاته السريعة وأجوائه المختلفة. ويستطرد العسم، قائلاً: «إن الهدوء الذي أستشعره في شهر رمضان، يدفعني للكتابة النوعية سواء ما يتعلق بالشعر الفصيح أو العاميّ، أو ما يخص المقال الصحفي»، مضيفاً: «يقودني شهر رمضان أيضاً للزيارات الصامتة إلى أماكن تشعّ بخصوصيتها وباشتباكها مع لقاءات وحوارات لم تكتمل، ولها في القلب وقعٌ، وفي الخاطر موطئ حنين»، وذكر من هذه الأماكن: المواضع المكتنزة برائحة الطبيعة، وبصدى الأيام الماضية، حيث يلجأ أحياناً لسدرة وحيدة كي يخاطبها بلغة كونية تتجاوز حدود البداهة والعلاقة الضدية بين الإنسان والجماد، ويعتبر العسم الأشجار كائنات ناطقة ولكن بصمت لا يفكّ شيفرته سوى الشعر، ولا تكشف أسراره سوى القصيدة. جسر إنساني ويؤكد العسم أن زياراته الأخيرة والمتعددة لجمعية المصابين بأمراض الكلى، وكذلك للأطفال المصابين بالتوحّد، جعلته يوقن أن الكتابة جسر إنساني، يعلو بنا فوق المشاعر السلبية والإقصائية، ويخلق مسارات للتواصل مع فئات في المجتمع كنا نعتقد أنهم غرباء ومختلفون، ولكنهم في الأصل ذوات جميلة، قد تتفوق على الأسوياء والأصحاء بمراحل طويلة وممتدة، لا يعرف كنهها سوى من يقترب من هذه الفئات ويتلمّس دواخلها وتطلعاتها وانشغالاتها، مضيفاً أن شهر رمضان هو فرصة للتفاعل والتراحم وتغيير النظرة السائدة عنهم واستكشاف حاجاتهم المعنوية قبل الماديّة. وعن كتاباته في شهر رمضان، أوضح العسم أنه بصدد نشر ديوان شعري جديد له علاقة بثيمة تراثية مرتبطة بليالي رمضان، حيث يحمل الديوان عنوان «ماعون» المنبثق من جذر لفظي محلي عندما كان الأهالي في الحيّ المشترك يتبادلون أواني أو «مواعين» المأكولات الرمضانية قبل الإفطار.

مشاركة :