لا يوجد شيء في هذه الدنيا أسمى قيمة من العقل.. واحة سلام أكرمك الله بها عن المخلوقات، ونبع حكمة حملت بها أعباء التكاليف، وتوافق حملك لها بين وظائفك ورغباتك وتحقيق سعادتك.. إذا أحببت جارك مخلصا فلن يكرهك أحد، وإذا تعايشت مع أهلك صادقا تتسارع إليك قلوبهم، وإذا بذلت محبتك لمن تعرف تجنح نفسك بالسلام، وإذا تعاملت بالحكمة مع من لا تعرفهم فلن تذهب حكمتك سدى، عقل يمنحك الثقة، وينعشك بالرضا، ويهدهد أجفانك بالورد، يدلك على الخير، ويصرفك عن الشر، ينبت لك البركة، يؤنس وحشتك، ينبهك من غفوتك، يهديك من الضلال، وبسبب هذا العقل أخي العزيز، كنت خليفة الله في الأرض، خضعت لك المخلوقات، وتعاملت معك الموجودات، كأغصان زيتون حملته مناقير الحمام. نعمة العقل هي من أعظم النعم وأشرفها وأجلها قدرا، ويجب على الإنسان أن ينميها بالتجارب المفيدة، والعلم النافع، والعمل الصالح، وقد أمر القرآن الكريم بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعانا إلى فهم المعاني إذا أوجب علينا التكاليف، والذي يتدبر القرآن يراه قد تحدث عن نعمة العقل في عشرات الآيات، بل أشار القرآن الكريم إلى مشتقات العقل ومترادفاته للدلالة على معانيه في أكثر من 300 موضع وذلك تبيانا للانتفاع بما في الكون من خير وفضل، ولهذا بين لنا الرسول «صلى الله عليه وسلم» أن خير نعمة للإنسان هي نعمة العقل فقال: «ما اكتسب المرء مثل عقل يهدي صاحبه من الهدى ويبعده عن الردى».. كما يفرد العلماء لخطاب العقل في كل ما يتسع له الذهن من إدراك وتأمل حكيم، ويذهبون إلى أن خصائص العقل الذي يتميز به الإنسان على غيره من المخلوقات هي ملكة الإدراك للفهم والتصور، أي أن الوازع الأخلاقي لدى الإنسان وما يتعلق به من أوامر ونواهٍ، ولكنه الإدراك والتأمل وملكة الرشد، أي العقل المدرك الحكيم الذي يستخرج بواطن الأمور، ويبني عليها الأحكام، ويستخرج منها النتائج. المتأمل في العقل الإنساني يدرك أنه من أكبر نعم الله على العباد، فيجب أن نصونه عما يضره ويؤذيه، لأنه من أعظم معجزات الخلق، عقل له أركان ودعامات، يغمس قلبه في النجوم، ويدور معك في المجرة، ويعبر بك سديم الكون، فيرتقي بك إلى السماء، ويعرج بك في الملأ الأعلى، فيدلك على الخير، ويمنحك الهدى، ويسلك بك سبل الرشاد، ولولاه ما كان الثواب ولا العقاب. روي في الأثر، أن «جبرائيل الأمين» عليه السلام جاء إلى «آدم» أبو البشر فقال: «إني أتيتك بثلاث فاختر منها واحدة، فقال آدم: وما هي؟، قال جبريل: الحياء أو العقل أو الدين، قال آدم: أخذت العقل، فخرج جبرائيل عليه السلام إلى الحياء والدين فقال لهما: ارجعا فقد اختار العقل عليكما، فقالا: إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيثما كان».. في الختام، بقدر عقل المرء تكون عبادته لمولاه عز وجل، والعقول السليمة تبني عمارا في الأرض، وتحول الصحاري إلى أودية خضراء، في حين أن العقول الحمقى تفعل العكس، ولا سيما مع الذين فقدوا عقولهم وطغوا وتكبروا وعاثوا فسادا في الأرض، ويومها يقول هؤلاء ندما بعدما لا ينفع الندم أو المعذرة إلى ربهم في الآية العاشرة من سورة الملك «لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا من أصحاب السعير».. صدق الله العظيم.
مشاركة :