الشارة الموسيقية حالة بصرية ترى ولا تسمع

  • 1/11/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في صومعته الفنية في قلب مدينة دمشق، التقت “العرب” الموسيقي السوري سمير كويفاتي لتُحاوره حول مساره الفني ورؤاه الجمالية، وهو الذي ما انفك يُراكم تجاربه الموسيقية منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن مع شريكته في الحياة والفن ميادة بسيليس في سعي حثيث منهما لإثراء السجل الغنائي السوري والعربي عامة، فباغتنا بالجواب على سؤال مباشر: لماذا لم تسافر؟ فقال “لم أتحصل على تأشيرة، ولو توفرت لي لتركت المكان فورا”. وعن نظرته للموسيقى التصويرية التي يعمل على تأليفها في السينما والتلفزيون قال “الموسيقى هي التي ترى ولا تسمع، كتب سمير طحان شريكي الفني مرة، وهو كفيف ونصف أصم: صوت ميادة ألوان أسمعها وموسيقى سمير ألحان أبصرها. بالموسيقى يمكن أن ترى اللون. الأسود له لون وثيمة خاصة وكذلك بقية الألوان”. هكذا يرى كويفاتي الموسيقى التصويرية، ولكن ليس مع أي مخرج، بل مع من يمنحه هذه المساحة. ويسترسل “عندنا المخرج يلمّ بكل شيء ويتدخل في تفاصيل العمل الموسيقي. مثلا أحدهم يقول لي لم تعجبني هذه الآلة، صوتها مثل صوت الماعز، وهو لا يفرّق بين آلة الأوبوا والكلارينيت. الفن يعني أنني حر في الموسيقى التي أنتجها، وأكون سعيدا جدا بالأغنية التي ألحنها كونها تمنحني مساحة كاملة من الحرية. وهذا لا يعني، طبعا، أنني مع تهميش دور المخرج في العمل، ولكن عليه أن يكون مُلما، ولو قليلا، بالفنون الموسيقية”. الموسيقى التصويرية عند سمير كويفاتي، تلك التي ترى، تلك التي تدخل على الفيلم دون أن يشعر المتلقي بها، على اعتبارها جزءا من الحالة البصرية للفيلم. وهو مع وجود الموسيقى في العمل السينمائي البصري بشكل فاعل، حيث يرى أن المُبرّر الدرامي هو الذي يصنع الموسيقى التصويرية، وعليه وجب أن يكون متوافقا مع الموسيقى المُصاحبة له، وإلاّ سقط المنجز بشكل كليّ أمام رداءة صوت المشهد أو ضعف الأداء التمثيلي فيه. موسيقى مُبصرة يعترف الموسيقي السوري أن هناك أعمالا سينمائية عربية وعالمية باتت تُعرف من خلال موسيقاها، فقط، كـ“العراب” و“قصة حياة” و“زوربا” وغيرها.. الأمر الذي يجعله يفكّر في هذا الهاجس كثيرا حين يُؤلف موسيقاه التصويرية، مضيفا “زوربا، مثلا، هو شخص يوناني، وقد عرفه الناس عبر الموسيقى التي أُلفت للفيلم وليس الفيلم في حد ذاته، لو طلبت البحث عنه في النت فستظهر المئات من المواد الصوتية مقابل عدد أقل سينمائيا. سمير كويفاتي يرى أن زوربا عرفه الناس عبر الموسيقى التي أُلفت للفيلم وليس الفيلم في حد ذاته وعندما تقول ليالي الحلمية، تظهر لك الأغنية الشهيرة التي رافقت العمل. مرة سُئلت هل ترى أن الموسيقى ترفع من سوية العمل السينمائي؟ أقول نعم، كما هو الحال مع الموسيقى التصويرية لمسلسل رأفت الهجان”. في التأليف الموسيقي للسينما، يرى البعض أن مهمة الموسيقي هي إيجاد معادل موسيقي للأحداث التي تجري في الفيلم، كما يقدّم المخرج المعادل البصري لها، عن ذلك الرأي يقول كويفاتي “أنا مع فكرة أن المؤلف الموسيقي عليه إيجاد المعادل الموسيقي للأحداث. وبالنسبة لي ما يساعد في فعل ذلك هو براعة المشهد. ففي بعض المشاهد يقوم الممثل بعمل جهد كبير، بحيث لا يدع لي مجالا للإضافة، وأحيانا أتدخل في مشهد ما وأضع موسيقى مناسبة، لأنني أشعر أن الأداء فيه مُرتبك”. ثنائي الحياة والفن يعترف المؤلف الموسيقي السوري أنه حين يشتغل على موسيقى مسلسل درامي يجهّز أكثر من ثيمة موسيقية، ويركّبها بأكثر من حالة صوتية ومزاجية، وعندما تجهز الحلقة يركّب هذه الثيمات الجاهزة عليها حسب مقتضيات الأحداث. ويضيف “فهنا نحن أمام ما نحو 30 ساعة من البث التلفزيوني، حيث لا يمكن للمؤلف أن يقوم بالتأليف الموسيقي لها كلها. التكنيك الصحيح في أي عمل بصري، يكون عندما يجهز الفيلم كاملا بالفيديو، ثم يقوم الموسيقي بتقديم الثيمات المقترحة حسب الحالة الموجودة في المشاهد. مرة أخرى، المسألة تحكمها جودة التمثيل، فعندما يكون الأداء جيدا لا يترك لي مجالا للإضافة على عكس حال المشهد الضعيف”. ولسمير كويفاتي تجارب راسخة في فن الغناء، وهو الذي قدّم مع زوجته الفنانة ميادة بسيليس العديد من الأغنيات السورية الشهيرة، عن رأيه في حال الغناء السوري حاليا، يقول “لدينا فن سوري خالص ومبدعون سوريون جيدون أثروا السجل الغنائي السوري، أهمهم الفنان الشهير عبدالفتاح سكر. الموضوع أننا أُناس نتكاسل في تقبل كل ما هو جديد”. ويضيف “اليوم تغيّر الأمر.. صرنا نسمع الموسيقى على الموبايل، هذه الطريقة فيها الكثير من الاستسهال، حيث يطلب المغني من الملحن أغنية طولها 3 أو 4 دقائق، ما يعني عدم توفّر الوقت الكافي للعمل عليها بهدوء، صرنا نعمل على مبدأ (التشييل) وهو مصطلح ريفي بحت، ويعني اللعب بالنوتة الموسيقية، ويكون الرجوع للبداية. لدينا العديد من الأغاني التراثية الشهيرة التي فيها تشييل”. ومثاله على ذلك أغنية الفنان السوري الشهير صباح فخري “خمرة الحب اسقنيها”، فالمقطع الذي يرقص عليه ويهتف فيه الكورس والحالة المسرحية التي تظهر عليها الأغنية قدّما هذه النوتة الموسيقية البسيطة في حالة مختلفة. ويضيف “الجمهور بات يريد هذا الشكل، ولو تم إلغاء هذه الحالة، لكنّا أمام أغنية فنية فقيرة، لكن عمل الأستاذ صباح فخري عليها جعلها مُبهرة”. ومع ذلك، لا يرفض كويفاتي الأغنية الريفية، مُعترفا “بل وأُسرّ بها جدا، على أن أسمعها في حالتها البيئية الحقيقية، لكن عندما تقتحم يومياتي وحياتي الخاصة لتغدو هويتي الوحيدة حينها سأقف موقف الرافض لهكذا توجه موسيقي مُكرّر”. وفي ظل واقع سياسي عالمي وعربي مأزوم وفوضى حضارية كبرى تعصف بالمنطقة، تسأل “العرب” كويفاتي عن رأيه في ما يحصل، فيجيب “أحيانا أتمنى أن أكون أصم، كي لا أسمع هذا الضجيج المتعالي من حولي، شاهدت فيلم بتهوفن العديد من المرات، وكنت أراقب مشهد قيادته للفرقة، وهو الأصم، كان مشهدا مهيبا، شعرت بمأساته حينها، لكنني الآن أحسده على تلك النعمة.. بتّ أتمنى ألاّ أسمع هذا الضجيج. عندما كنت صغيرا كنت أحشو أذني بالقطن، كي لا أسمع شيئا، ثم عرفت كيف يُدندن الأصم من خلال الصوت الداخلي. سأكون سعيدا لو صرت أطرش، لأنني غير مهتم الآن بالأصوات، فأنا أعرف الألحان التي سكنت وجداني منذ زمن بعيد، وما عادت بي حاجة إلى سماع غيرها”.

مشاركة :