7 | أزمة الصحافة وهموم الناس

  • 12/6/2019
  • 08:37
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

فى البداية دعونا نتفق على قاعدة صحفية مهنية يعرفها الجميع ويتغاضى عنها الأغلبية وهى بأنه بقدر ابتعاد الصحافة عن هموم الناس واهتماماتها وقضاياها الحياتية اليومية فإن القارىء والمتابع والمشاهد يبتعد عن الوسيلة ، ليس فقط بنفس القدر بل يصل الأمر إلى الهجرة الدائمة عنها والبحث عن وسائل بديلة أو الكف عن متابعة الوسائل التقليدية…وضبطا للمصطلحات فى البداية فإننى اقصد بالصحافة هنا كل فنونها وأشكالها التقليدية الحديثة شاملة الورقية والالكترونية والتليفزيونية لنسمو فوق معارك كل يوم السطحية التى تركز على بقاء أو فناء المهنة وتتغاضى أن الجوهر واحد والهدف والرسالة واحدة فى رحلة البحث عن الحقيقة وعرضها على القارىء بكافة الوسائل ومنحها الأبعاد والتحليل والعمق اللازم احتراما للقارىء وتقديرا لولاءه للوسيلة إضافة لضمان أفضل إنتشار وتوزيع ومشاهدة التى تعود على الوسيلة بالأرباح وتمنحها فرص الاستمرار والتألق…ما دفعنى لكتابة هذا المقال هو متابعتى المكثفة لتغطية الصحف والمواقع والقنوات للأحداث فى مصر على مدار فترة طويلة وكذلك المرور بتجارب شخصية على مدار 3 أسابيع فى المكاتب والمصالح الحكومية والاحتكاك بالمواطنين وملامح عدم الرضا على وجوههم من تدنى مستوى الخدمات المقدمة…لقد غابت الصحافة أو غيبت عن متابعة هموم الناس وهمومها وصولا إلى كسر كل جسور الثقة والمصداقية بين الوسيلة والقارىء أدت بالتبعية إلى فقدان المصداقية فى تغطية ومعالجة الإنجازات والمشروعات الكبرى على الأرض واصبح كل ما يكتب وما يعرض من مواد وموضوعات عن تلك الإنجازات غير مؤثر فى تشكيل قناعات المتلقى لان الوسيلة التى تحمل تلك الرسائل الإيجابية فاقدة للمصداقية…لقد تساءل الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة عن دور الصحافة والإعلام وفاعليته ولم يقدم أى منهم الإجابة الشافية لسيادته لأن معظمهم شريك فى الأزمة وفداحة النتائج؛ فلم يجب أحد على سؤال الرئيس ويقول له أن هناك جريمة أرتكبت بحق الصحافة والإعلام والمهنة بحيث تم تغييبها تماما عن قضايا المواطن…واعتقد البعض من هؤلاء أن اى نقد لاوضاع أو تعاملات أو سياسات أو قرارات صادرة عن الحكومة لا يأتيها الباطل والعيب من أعلى أو من أسفل وأنها مقدسة فوق مستوى النقد وأننا فى مصر قد أصبحنا دولة من الدول الاسكندنافية التى تجاوزت كل مشكلات الدول النامية وتعيش مراحل ما بعد الرفاهية ووصل الأمر إلى تخوين كل رأى ينتقد من أجل الإصلاح وتم تصنيف الإعلاميين والصحفيين الذين يقومون بدورهم الطبيعى والمهنى بأنهم أعداء للوطن ويعملون لصالح أجندات إخوانية وقطرية وتركية وبأنهم لا يقدرون تضحيات الشهداء واسرهم من خلال استمرارهم فى نقد الواقع فى الوقت الذى قدم الرجال التضحيات…لقد تجاهل هؤلاء ومن وضعوهم فوق سدة كل صحيفة وقناة وإذاعة وموقع عن عمد أو عن جهل بأن لعبة الصحافة والمهنية والمصداقية هى فى جوهرها: لعبة مساحات وحرفية “ملء الفراغ” وأن ملامح الجريمة جاسمة على صدور كل المصريين لأن كل المساحات التى أنسحبت منها الصحافة المصرية فى التغطيات أحتلتها صحافة الإخوان الممولة من قطر وتركيا فى الخارج وأصبح البكاء على اللبن “المسكوب” أو “المنهوب” هو حال كل المهنيين فى المحروسة…لقد زادت الهوة بين المواطن ومعظم وسائل الإعلام والصحافة المصرية حينما وجد نفسه وحيدا يقرا الصحف كل صباح ويجلس أمام القناة التليفزيونية أو يتابع موقع ما فلا يرى همومة وقضاياه وصدى صراخه لا يتردد فى تلك الوسائل؛ ففى الوقت الذى كانت تعترف فيه الدولة بأننا نمر بمرحلة إصلاح إقتصادى حتمية وقاسية ونتائجها صعبة وطاحنة تخرج علينا تلك الوسائل لتتحدث عن إنجازات كبرى وآمال وطموحات دون أن تنزل إلى الشارع وتراقب الأسواق وترصد الغلاء ومستوى واسعار الخدمات وتظهر وجهى الصورة: الأمل والمعاناة؛ عندما أنفصلت تلك الوسائل عن مناقشة هموم أصحاب المعاشات الذين مثلوا أكبر سند للدولة المصرية فى كل إستحقاق إنتخابى مرت به مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013 حتى وقت أن إنحاز لهم الرئيس بوقف الطعن على حكم محكمة يرد لهم بعض من مستحقاتهم لدى الدولة…وعمق الهوة شيطنة المهنة والمهنيين وإلصاق كل الأخطاء والخطايا بالصحافة وأن كل مشكلات مصر حدثت وتحدث بسببها وعشنا أجواء “مكارثية” داخل المهنة وامتدت لتنتشر فى المجتمع كالنار فى الهشيم وساد خطاب التخوين ومقولة “من ليس معنا فهو ضدنا” ومن لا يردد ما نقول فهو صاحب أجندات وموجه لنصحو ذات يوم على مهنة خالية الدسم تماما من فنون المهنة وكوادرها وفنونها؛ كيانات لا علاقة لها بالمهنة ولا علاقة لها بالمواطن سيطرت عليها عقليات إعلانية دعائية فاشلة تحاول أن تروج لكل الإنجازات والمشروعات الكبرى دون أن تدرك أو تتجاهل أنها لا تمتلك “مصداقية” الوسائل؛ حتى مجموعات السوشيال ميديا تحولت إلى قطاعان تهاجم من يختلف دون أن تفكر وتناقش وتجادل وتستنير وتنير من حولها…عليكم يا سادة أن تخبروا الرئيس عندما يسأل عن حال واحوال الإعلام والصحافة وعدم فاعليتها بأن جسورا قد دمرت واستهدفت فى صميم العلاقة بين الصحافة والمواطن بسبب تغييب وتجاهل هموم المواطن الذى كفر بكل ما هو صحافة وإعلام وصحفيين وراح يبحث فى عالم إفتراضى عن إجابات ظلت معلقة لأسئلة طال أمد الإجابة عليها؛ عليكم أن تخبروا سيادة الرئيس بأن السياسة الإعلامية المصرية إن وجدت من بداياتها “سر قوتها” فى الإقناع والإقتناع من خلال الإعتراف بهمومنا وتحدياتنا وبأننا كنا نعيش واقعا مريرا وسوءا فى الإدارة والخدمات وأن علينا أن نتجاوزه معا بأن نلقى الضوء عليه ونرصده ونعالجه ونحاسب المقصر لا أن نتجاهله ونخفيه؛ بأن حالة الوعى تبدأ دائما من إدراك حقيقة واقعك وأن النقد والمعارضة تبنى ولا تهدم؛ بأن الحديث عن نشر الطاقات السلبية فى مقابل نشر الطاقات الإيجابية قد يصلح نظريا فى الإعلان فى وكالة مثل سعدى وجوهر ولكنها لا تصلح نظريا وعمليا فى الصحافة والإعلام التى لا يجب تحت أى ظرف أن تتجمل وتتخلى وتتنكر لبيئتها فتكون النتيجة إنصراف بلا عودة من قبل القارىء والمشاهد والمستمع وعلى الدولة حينذاك أن تخوض حربها باسلحة فاسدة فاقدة للمصداقية فى مواجهة الحملات الدعائية السوداء وفبركة الأخبار والشائعات ولن تجدى فيها عملية قرع الطبول على السوشيال ميديا من اللجان الإلكترونية… يا سادة؛ حل وجوهر الخروج من أزمة الصحافة بكل وسائلها هو العودة الصادقة للمواطن وهمومه وقضاياه وطموحه وآماله ولا تطالب القائمين على تلك الوسائل بممارسة أدوار لا علاقة لها بالمهنة بمعنى أدق لا تطلب من المايسترو أن يسمعك عزفه على الطبول …وللحديث بقية…جــلال نصـار 5 ديسمبر 2019م  

مشاركة :