قلق تونسي من تبعات زيارة الغنوشي الغامضة لتركيا

  • 1/13/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم تمر زيارة رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي إلى العاصمة التركية إسطنبول وما تخللها من اجتماع مُغلق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دون إثارة الكثير من التساؤلات واللغط، وقلق متصاعد مصحوب بتوجس مشروع في تونس، تجاوز الأوساط السياسية والحزبية ليشمل فئات واسعة من أبناء الشعب التونسي. وفرض توقيت هذه الزيارة محدداته على مجمل التساؤلات المحيطة بها، كما أعطى للقلق الذي رافقها، عناوين أخرى بأبعاد سياسية وأمنية خطيرة، خاصة وأنها جاءت على وقع وضع داخلي مُعقد رسمت صورته التطورات الأخيرة التي تشكلت على هامش سقوط الحكومة المُقترحة من الحبيب الجملي المدعوم من حركة النهضة الإسلامية، وعلى إيقاع مشهد مُتفجر في ليبيا. وكانت وكالة الأنباء التركية “الأناضول” هي التي كشفت عن هذه الزيارة التي جاءت بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من رفض البرلمان التونسي منح الثقة للحكومة التي اقترحها الحبيب الجملي، وبعد ساعات قليلة من إعلان الرئاسة التونسية عن لقاء جمع بين الرئيس قيس سعيد، وراشد الغنوشي تم خلاله تناول تفعيل الإجراءات الدستورية لتكليف الشخصية الأقدر بتشكيل الحكومة الجديدة. وأشارت إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “عقد لقاء مُغلقا مع رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في المكتب الرئاسي بقصر دولما باهتشة” بمدينة إسطنبول، دون أن تقدم تفاصيل أخرى. وساهم هذا الغموض الذي اكتنف هذه الزيارة، وخاصة الاجتماع الذي تخللها بين أردوغان والغنوشي والذي تم بعيدا عن الأضواء، في اتساع دائرة التكهنات حول أسبابها ودوافعها، وسط الكثير من التخوفات التي تُعطيها دلالات تنطوي على رسائل متعددة الأبعاد يُخشى أن تُحدد في قادم الأيام خطوط التحركات السياسية داخليا في علاقة بالمسار الحكومي، وترسم مُحددات الموقف التونسي من التدخل العسكري التركي في ليبيا. وسعت حركة النهضة الإسلامية إلى محاولة تبديد ذلك الغموض من خلال بيان اعتبرت فيه أن زيارة الغنوشي إلى تركيا اندرجت في إطار “تهنئة أردوغان بالسيارة التركية الجديدة،… ودعوته إلى تشجيع رجال الأعمال الأتراك على زيارة تونس والاستثمار فيها بما يعدل الميزان التجاري بين البلدين”. لكن هذا المسعى فشل، رغم إشارتها في بيانها إلى أن الحوار الذي جرى بين الغنوشي وأردوغان خلال الاجتماع المُغلق “دار حول التطورات الجديدة في المنطقة والتحديات التي تواجهها”، لتُعمق بذلك التساؤلات، وردود الفعل الرافضة والمُنددة بهذه الزيارة، والمُحذرة من نتائجها، التي تتالت وسط إجماع على خطورة خلفياتها السياسية وكذلك أيضا الأمنية. وفي هذا السياق، لم يتردد محسن مرزوق الأمين العام لحركة مشروع تونس في القول إن “ذهاب رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى إسطنبول لمقابلة الرئيس التركي مباشرة بعد سقوط الحكومة، كما ذهب في مناسبات مماثلة، يؤكد مرة أخرى بما لا يدع مجالا للشك، أن قرار حركة النهضة مرتبط بتوجيهات تركيا”. وفيما رأى مرزوق في تدوينة نشرها في صفحته بموقع فيسبوك، أن “الغنوشي يمكن أن يذهب للقاء زعيمه التركي متى شاء، ولكن بصفته الشخصية، أما صفة رئيس البرلمان المؤتمن على سيادة الشعب فهذا غير مقبول ولا يجب أن يتواصل”، اعتبر مبروك كورشيد، النائب البرلماني عن حزب تحيا تونس، أن زيارة الغنوشي إلى تركيا “هتكت الأعراف الدبلوماسية ومست السيادة التونسية”. وكتب في تدوينة له على فيسبوك، أنه “ليس مسموحا للغنوشي الالتقاء بالرئيس التركي منفردا دون حضور السفير التونسي”، مشددا في نفس الوقت على أنه “من حق الدولة التونسية أن تعرف ما دار في هذه الزيارة التي وقعت بعيدا عن رقابتها”. بدوره، ذهب منجي الحرباوي، القيادي في نداء تونس، إلى القول إن “الغنوشي لم يتطور ليكون رئيسا لمجلس نواب الشعب، لا يزال بجبة الإخوان. ويجب على النواب استجوابه وسحب الثقة منه لتجاوزه الدبلوماسي الخطير”. وسبق أن عبّر الحرباوي في تدوينة له، عن خشيته من وجود “مناورة بأوامر أجنبية للتمديد في حالة الفراغ الحكومي، وإشغال الرأي العام ليستكمل أردوغان نقل الدواعش إلى ليبيا”. وتجد هذه الخشية التي بدأت تتسلل إلى المشهد التونسي، ما يُبررها على أرض الواقع، لاسيما وأن زيارة الغنوشي إلى تركيا تزامنت مع وصول فتحي باشاغا، وزير داخلية حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، ووزير الدفاع القطري، خالد بن محمد العطية، إلى إسطنبول التي يُفترض أن يكون قد وصل إليها الأحد، فايز السراج أيضا بشكل عاجل. وربط مراقبون هذه الزيارات بالتحولات المُتسارعة والمفاجئة في تونس، بعد الصفعة التي تلقتها حركة النهضة الإسلامية، وبالمتغيرات الميدانية في ليبيا، ما يعني أن اختيار زيارة تركيا في هذا التوقيت يعكس تحضيرا سياسيا، وكذلك أمنيا وعسكريا لتغيير معادلات المشهد بمختلف أبعاده. وكانت “العرب” قد تعرضت إلى هذه الفرضية عندما أشارت في تقريرها السابق، الصادر الأربعاء الماضي وتناولت فيه أبعاد أزمة تشكيل الحكومة، إلى أن هناك من “يربط مناورة راشد الغنوشي، بتطورات الملف الليبي، فهو لا يريد أن تكون لتونس حكومة في هذه الفترة حتى يبقى الموقف الرسمي التونسي هشا ورخوا بما يُساعد الجانب التركي على الاستمرار في تدخله في ليبيا مدعوما من حركة النهضة”. وحذر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس من هذه الفرضية. وكتب محسن النابتي القيادي بحزب التيار الشعبي “نتوجس من حجم الحركية والتواصل الكبير مع تركيا خاصة”.

مشاركة :