مكونات الثقب الأسود الذي سوف يبتلع إيران..!

  • 1/13/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لن تستطيع إيران تعويض سليماني مهما كانت هذه الفرضية قاسية إلا أنها حقيقة مؤلمة، كما لن تستطيع إيران أن تمنع تكوّن الثقب الأسود في منظومتها السياسية، ولعل الارتباك الذي أدّى إلى إسقاط الطائرة الأوكرانية أحد أهم مؤشرات الثقب الأسود.. اختفى سليماني إلى الأبد في إعلان موجز عن كارثة فعلية تواجهها إيران، وهي تستحق هذه الكارثة عطفاً على تاريخها المشوب بالكثير من الأعمال السياسية ذات الطابع العدائي وغير الإنساني، فبعد سليماني ستكون الفرصة أكبر لتصاعد الارتباك في إيران في إشارة إلى تشيكل حالة سياسية هي أقرب إلى ثقب أسود يمكنه أن يبتلع إيران بطريقة سياسية تشبه تلك الأعمال التي اعتادت إيران على ممارستها واحترافها في محيطها الجغرافي. ولعل السؤال المهم هنا يدور حول هذا الثقب الأسود وكيف سيكون وماذا سوف يبتلع..؟، قد يتصور البعض أن حادثة سليماني لن تكون بذات تأثير كبير على المشروع الإيراني، ولعل السبب الأكبر خلف هذه الفكرة يتمثل في القول إن مقتل سليماني هو نتيجة وليس سبباً، فالأخطاء الإيرانية في المنطقة تبلورت أهم نتائجها في أن تقوم أميركا بإعادة النظر في استراتيجيتها تجاه إيران على الطريقة الأميركية التي تذهب إلى تجفيف مصادر الألم السياسي. ليس هذا المقال مجرد اندفاع تحليلي، ولكنه محاولة جادة لفهم تلك التحولات المنتظرة للحالة الإيرانية بعد سليماني، ومن وجهة نظري فإن ذهاب المرشد الأعلى أو اختفائه كان سيكون أخف على النظام الإيراني من مقتل سليماني نفسه، والأسباب وراء ذلك كثيرة فتعويض سليماني لن يصبح متاحاً بعد اليوم للنظام الإيراني، وسوف يكون من المستحيل استنساخ سليماني جديد، وهذا ما سوف يرفع مستوى الاحتمالات المؤدية إلى نشوء حالة صدمة مع شرعية النظام. التطور التاريخي لإيران خلال الأربعة عقود الماضية قد ولّد سلسلة من المفاهيم التي ارتبطت بشخصيات النظام ورموزه وقد شكلت هذه الرموز المكونات الفعلية للنظام واستراتيجياته، وازدادت العلاقة الطردية بين منجزات الاستراتيجية الإيرانية وبين تلك الرموز، ولعل سليماني شكل أحد أهم هذه الرموز ولذلك فإن موت سليماني شكل بالفعل انقطاعاً يصعب وصفه، فالسياسة الإيرانية عبر نظام الملالي سياسة ديكاتورية متسلطة تعتمد على الولاء لرأس النظام وتلقي أوامره. لن تستطيع إيران تعويض سليماني مهما كانت هذه الفرضية قاسية إلا أنها حقيقة مؤلمة، كما لن تستطيع إيران أن تمنع تكوّن الثقب الأسود في منظومتها السياسية، ولعل الارتباك الذي أدى إلى إسقاط الطائرة الأوكرانية أحد أهم مؤشرات الثقب الأسود الذي يتشكل فعلياً من خلال أزمات إقليمة ودولية تعيشها إيران حالياً، ولذلك سوف تكون كل محاولات إيران القادمة تهدف إلى تغيير مفهوم سياسة القوة التي سوف تواجه بعض المراجعات في المشروع الإيراني الذي تتفجر في سمائه أربع أزمات هي كفيلة بإنشاء ثقب أسود مهمته القادمة أن يبتلع مستقبل هذا النظام. الأزمة الأولى مقتل سليماني، وما أحدثته من اختلال فعلي في آلية العمل السياسي والعسكري، ولن تتمكن إيران من أن تخطو خطوة واحدة في ذات الاتجاه بعد سليماني؛ لأن إعادة تلك العجلة عملية سوف تتطلب أكثر من عقدين من الزمان يمكن خلالها إيجاد شخصية ذات سلوك عدائي كسليماني، وهو ما سوف يكون متعذراً. الأزمة الثانية، سقوط الطائرة الأوكرانية بصاروخ إيراني وتبعاته القانونية والسياسية والتعويضات وتحديد المسؤولية والدخول في محاكمات دولية. الأزمة الثالثة، المشروع النووي الإيراني الذي سوف يكون غصة ثقيلة يصعب ابتلاعها في أي اتجاه سواء نحو الاستمرار في المشروع أو إعلان التوقف عنه، الأزمة الرابعة الحالة الاقتصاية الداخلية التي سوف تتضاعف معها الأزمة الشعبية حيث تتهيّأ الأجواء لعودة الثورات من جديد. أربع أزمات تتطلب التعامل معها في ذات الوقت وفي أصعب الظروف سوف تكون كفيلة بإرباك النظام وتشتيت تركيزه واهتمامه، وخاصة أن النظام السياسي الإيراني نظام ثيوقراطي محكوم بنهج تاريخي يعتمد ولاية الفقية، وهو نموذج تراثي غير مختبر تاريخياً على الإطلاق سوى في نظام إيراني يعتمد حكم الفقية، الذي تستمد شرعيته من حدث تاريخي منقطع غير قابل للتصديق من الناحية العملية، فولاية الفقية قصة خيالية يصعب تكثيفها سوى في وعي الضعفاء والمحرومين والفقراء من الشعب الإيراني وبعض المجتمعات ذات الطابع الطائفي. هذا النوع من التحليل السياسي لن يكون صائباً إلا عندما نتمكن من فهم التشكيل الفضائي لهذه الأزمات الأربع باعتبارها نتيجة إخطار كبرى حقيقية سوف تدخل إيرن في علاقة عدوانية بين مكونات نظامها الذي سوف يبدأ بالانشقاق بشكل كبير، وقد تصعد القوى الإصلاحية الإيرانية في محاولة جادة لتفادي تكسر النظام، ولكن مجمل القول إن فرضية الثقب الأسود تجرنا بشكل كبير ومؤكد إلى حقيقة تقول إن منعطف قتل قاسم سليماني سوف يقود إلى صراعات حادة في البنية السياسية للنظام الإيراني، فالطبيعة الثورية لهذا النظام نزاعة بالفطرة إلى الصراع عندما تحتدم الأزمات حول شرعيتها وأدائها السياسي.

مشاركة :