الفنان التشكيلي والنحات خزعل القفاص واحد من الرعيل الأول في التشكيل الكويتي المعاصر، ومن المبدعين الكويتيين الذين تعود لهم الريادة في ازدهار النحت في الكويت، من خلال التواصل الكبير مع الأصالة والحداثة معاً.فقد اتسم مشواره الفني الطويل، بالكثير من المنجزات التي تحقق بعضها في سن مبكرة، لعل من أبرزها تصميم شعار نادي القادسية - وكان وقتها في العشرينات من عمره - وهو الشعار المعمول به لأكثر من 45 عاماً. إلى جانب أعمال نحتية خالدة ستظل باقية لتشهد على ما يتميز به القفاص من موهبة متميزة. ودق الهريس والمقعد والراقصة وغير ذلك من الأعمال البرونزية، التي تتمتع بالخصوصية والتألق.وفي معرضه الشخصي - الذي جاء ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي الـ26، وافتتحته مديرة إدارة الفنون التشكيلية ضياء البحر بحضور مديرة المهرجان فوزية العلي في قاعتي الفنون و«أحمد العدواني» في ضاحية عبدالله السالم، تحت عنوان «إبداع»- استطاع القفاص أن يروي من خلال منحوتاته - التي تقترب من 60 منحوتة - القصص والحكايات بأسلوبه الرمزي، الذي يتواصل بشكل ضمني وحسي مع الواقع بأكبر قدر من التكثيف والإيحاء، وذلك وفق تصورات فنية مزدانة بالتألق والحضور. وضم المعرض الأعمال القديمة والحديثة للفنان، تلك التي توثق مسيرته مع النحت منذ أمد بعيد.وفي هذا المعرض تمكنا من التعرف عن كثب على التجربة الثرية التي يتميز بها القفاص من خلال اعماله النحتية، تلك التي تتوازى في أفكارها مع ما تتطلبه الحالات الإنسانية الخاصة من تكثيف في المحتوى والفكرة على حد سواء بالإضافة إلى المعاني التي تبدو متناغمة مع لغة فنية مفعمة بالحيوية والحركة. فالقفاص يختار مواضيعه وأفكاره من نسيج الحياة وما يعتمل فيها من تداعيات، ومن ثم رصدها على منحوتاته في أشكال يمكن قراءة مضامينها بأكثر من رؤية، غير أن الرؤية الإنسانية هي الاكثر توهجاً وبروزاً.ويحاكي الفنان في منحوتاته الواقع في إطار رمزي محكم، كي نشاهد الفلكلور الشعبي من خلال حركات الفنانين وأياديهم ممسكة بالآلات الموسيقية، وهي تتحرك بطلاقة وحرية في الهواء، وبشكل انسيابي متقن، تفاعلاً مع التراث الكويتي الأصيل، إلى جانب منحوتة نرى فيها تجمّع النسوة على أريكة وهن يتبادلن الأحاديث الودية.وقالت الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في تعريفها بالفنان: «يعد الفنان التشكيلي خزعل القفاص أحد رواد فن النحت الأوائل في دولة الكويت والمنطقة العربية.. وكان ولا يزال مؤثراً في تأسيس التشكيل وبداياته في الثقافة البصرية، وهو من الفنانين الذين أرسوا بصمة وهوية أضاءت مسيرة النحت الكويتي على مر عقود من الزمن».ويحكي القفاص - تحت عنوان «طرق الطين»- أنه في مرحلة طفولته لم يجد صعوبة في الحصول على الطين، لتوفره في كل مكان، مشيراً إلى دور جدته في تشجيعه على تشكيل الطين، وتنمية هوايته المفضلة، وقال: «لا أزال متواصلاً ومستمراً في الاندفاع نفسه والرغبة للقيام بمحاولاتي وتجاربي لإنتاج قطع فنية أفتخر بها، بعيداً كل البعد عن أفكار الآخرين، ولمسايرة الحداثة وما بعد الحداثة». وأضاف: «إن الصورة أداة جيدة تمكن الناس وتجمعهم وتجعلهم متساوين في المشاهدة للعمل الفني، بما هم عليه من اختلاف شائع وفارق كبير وعميق بينهم في الثقافة واللغة، وتأخذهم تلك الرسمة وتجعلهم أكثر قرباً وتفاهماً فيما يطلعون عليه»، وأوضح ان للرسم دورا كبيرا في تسهيل وتوصيل المعلومة، وتوفير كبير من الجهد والوقت لما يطول شرحه ووصفه للوصول إلى الحقيقة والمعلومة بكل سهولة ويسر.ولقد صقل القفاص موهبته من خلال الدراسة في القاهرة وسان فرانسيسكو وغيرهما، كما أنه خاض تجارب في الرسم التصويري إلى جانب الخزف والنحت، إلا أنه ركز في تجاربه على النحت، وحصل على التفرغ للعمل في المرسم الحر ضمن الدفعة الثانية للتفرغ الفني في المرسم الحر.وتعرّف الفنان القفاص إلى الطين الذي تكوّن بتأثير هطول مطري غزير، في المنطقة التي كان يعيش فيها، ما أغراه باللعب فيه، وتشكيل مجسمات فراغيّة منه، وقد ساعدته جدته، التي كانت تعمل في صناعة «الزبلان والحصر والمهفات» من سعف النخيل، على شيها لتتحوّل إلى تماثيل من فخار. وفي البداية، عارضه والده على هذه الهواية، لكنه أصرّ على متابعتها واحتراف الفن.وعمل القفاص في البداية في وزارة الداخليّة، وفيها تعرّف إلى الفنان الكويتي الكبير سامي محمد، الذي أخذه إلى المرسم الحر، وهناك التقى بالفنان الرائد خليفة القطان. كما تعرّف إلى النحات المصري أنور السروجي، وهو أحد تلاميذ النحات المصري الكبير جمال السجيني، وبفضل هذا النحات تحوّل الفنان القفاص من ممارسة (فن الخزف) إلى (فن النحت). وتلك الحكايات سجلها في كتاب حمل عنوان (خزعل القفاص: الحداثة الآتية من البيئة والتراث الشعبي). ومن المعروف أن القفاص لم يتأثر بفنان بعينه، وإنما حرص على أن يأتي عمله في خصوصية واضحة، وبتأثر شديد بالبيئة المحيطة به.
مشاركة :