المدينة شيء خانق لزج -كما يقول مصطفى محمود- والمدينة رغم اتساعها إلا أنها تضيق بنا؛ الأبنية الشاهقة، خطوط الاسمنت الطويلة والعريضة، المطاعم الفاخرة، المنتزهات ومدن الألعاب، التكنولوجيا والأجهزة الحديثة، كلها لم تستطع أن تمنحنا ذلك الإحساس بالرضا والانشراح، ذلك الإحساس الذي قد يجده الريفي البسيط في لحظة تأمل للسماء وقد تزينت بالنجوم، في لحظة مرور نسمة عليلة تجتاح كل ذرات جسده. هذه الحضارة بكل ما فيها باتت وبالا على الروح الإنسانية، فبقدر ما أعطت الجسد منعت الروح، وبقدر ما غذته جوعتها، وبقدر ما ملأته جعلتها فارغة! لقد منحتنا الأسرة الوثيرة لكنها لم تمنحنا النوم الهانئ، قربت البعيد لكنها في الوقت ذاته بعدت القريب، وفرت لنا سبل الراحة إلا أن حقيقة الراحة تكاد تنعدم. لكن؛ هل تبدو هذه الديباجة قديمة؟ وضربا من الكلام الفارغ؟ فما معنى أن ننقم على المدينة ونحن ننعم بخيراتها؟ وهل يملك أحدنا الجرأة ليحمل حقائبه ويعود أدراجه ليعيش في إحدى القرى؟ هل نستطيع العيش دون الدلال الذي اعتدناه؟ غالبا لا. إذن لماذا نبكي على الأطلال ونلعب دور النائحة التي ما إن ينتهي العزاء حتى تعود لتمارس حياتها الطبيعية؟ ونحن ما إن ينتهي هذا المقال حتى يعود كل منا إلى هاتفه الذكي ناسيا نكرانه لجميل هذه الحداثة التي أوجدته. ليس هذا المطلوب، فالوقوف على طرفي النقيض لا يجدي، نحن بحاجة لأن نمسك العصا من المنتصف، لأن نعيد التوازن بين الروح والجسد في ظل كل هذا الضجيج المادي المميت، «نزهة صباحية إلى البحر، لحظة تأمل للسماء، سجدة طويلة في سكون الليل، نفس عميق، مقطوعة موسيقية، قصيدة...». لا بأس أن نجرب تلك الأشياء وغيرها، ونجعلها ضمن روتيننا اليومي، نقترب من الطبيعة أكثر ونعيد ذلك التناغم القديم بيننا وبينها. أمينة العطاس
مشاركة :