داخلي أصبح مكاناً مظلماً جداً. تغيَّرت معالم روحي. صرت أنفِرُ من الناس ولا أثق بأحد حتى نفسي. وصرت وحيداً للغاية. خطرت لي خاطرة اليوم وأنا أبلّغ عمر -أحبَّ أصدقائي إلى قلبي- خبر قبول نقضه.. كنت سعيداً للغاية وأنا أرى وجهه يضيء بالفرح، كدت أدمع والله، ولكني شعرت بنغزة في قلبي عندما أدركت أني سأفقده قريباً. أعلم أن هذا أنانيّ للغاية. لكني سأفقد معنىً كبيراً من حياتي بفقدانه. مجرد وجوده يُصَبِّرني، أكتب له، أنتظر رداً منه.. أحاول أن أهرب لألقاه.. أبحث عنه في الزحام.. أسأل الناس عن أحواله.. أرسل له السلام.. كل هذا سيختفي ويحل مكانه الفراغ. أفكر فيه وفى أقرب الناس إلى قلبي في السجن الآن. هم كلهم ثلاثة لا أملك غيرهم. والآن، لا أستطيع مجالسة أحد منهم ولو لدقائق؛ لتفرُّقِنا فى السجن. وسأفقدهم كلهم قريباً؛ سيُنهون مدتهم ويرحلون عني.. هم من ظللت أتعرف وأتقرب إليهم طوال سنتين كاملتين بحلوهما ومُرِّهما، ولي معهم ذكريات كثيرة، وها هم يرحلون عني إلى حيث لن يجدوا وقتاً ليذكروني، ولو فعلوا فعلى عجالة. أما أنا فسأبقى فى الأطلال وحيداً حيث أذكرهم كل يوم وكل لحظة ويتوجَّع قلبي لفراقهم. شيء حزين! أشعر بأنى أخيراً انكسرت، لا أقوى على القيام، هناك مقولة كنت أحبها كانت تقول: "عندما تقع، حاول أن تقع على ظهرك؛ لأنك طالما تستطيع النظر إلى أعلى تستطيع القيام". يبدو أنِّي نسيتها وأنا أقع هذه المرة، فانكفأت على وجهي! أنا مستلقٍ على وجهي من يومها ولا أقوى حتى على المحاولة، تعبت ولا أدرى ماذا أفعل، لم أتخيَّل يوماً أن الحياة بهذا القبح. أصبحت أتألم تألماً مؤذياً. أتعرف الفرق بين الألم الذى تشعره بعد تمرين قاسٍ فى كل جسدك، وألم أن تُكسَرَ ساقُك؟ أتفهم الفرق بين ما تجده من هذا الألم وما تجده من ذاك الألم؟ ألمى صار من الصنف الثاني؛ ولا أقوى على تغييره..أكره الظلم والفراق والألم، وأكره أكثر كونهم جزءاً لا يتجزأ من هذه الحياة. لم أفقد دوماً من أحب؟ لِمَ لا أستطيع التمتع بصحبة من أحب على الأقل؟ لِمَ لا أرحل أنا و أبي عن السجن أبداً؟ لِمَ مكتوبٌ عليّ الوحدة؟ لِمَ لا أفهم أي شيء على الإطلاق؟ لِمَ ليس كل شيء أكثر بساطة؟ لا أدري إن كانوا سينسونني هناك، حيث الزحام والضجيج والصخب! فأنا سأفكر فيهم دوماً.. هنا، حيث السكون والوحدة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :