على الرغم مما جرى من احتدام للصراع بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في الأيام القليلة الماضية، ذهب حصيلة هذا الصراع عدد كبير من الافراد وخسائر مادية من الجانبين سواء على صعيد فقدان قادة بارزين أو ضرب مؤسسات عسكرية ودبلوماسية، لازالت الحشود الجماهيرية في بغداد والحلة وكربلاء والنجف والناصرية وغيرها تواصل مطالبها الإنسانية والمعيشية وحقها في ان يحكم العراق رئيس وزراء مستقل (شريف)، ولا للاحتواء الإيراني أو هيمنة الأحزاب الموالية لها، ولا للوجود الأمريكي مع التأكيد على دعوات توحيد الشعب العراقي تحت المظلة الوطنية وليس الطائفية بالإضافة إلى رفض ان يكون العراق ساحة للصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.فالعراق ارض عربية وليست أمريكية أو إيرانية، صحيح ان أمريكا احتلت العراق في عام 2003 وبعلم ودعم إيراني، وبادعاء ثبت لاحقا انه (كذبة) في امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، والآن قد اختلفا في النظر إلى المصالح الذاتية لهما خاصة فيما يتعلق بنفط العراق وخيراته، فإن أرادا ان يتصارعا (يتحاربا)، فليكن على اراضيهما، لذا لا نستغرب ابدا ترديد (أمريكا وإيران برة برة) من قبل المحتشدين في ساحات المحافظات التي تشهد تحركات من هذا النمط.كما يمكن ان نقول هنا للطرفين: «اتركوا العراق للعراقيين، ولا تعتقدوا انه في حال انسحاب الأمريكان ان الطمأنينة ستعم باقي مدن العراق الأوسط أو الشمال، ولا تنسوا في الوقت ذاته ان هناك تجربة (حرب) مرة وعسيرة بين العراق وإيران دامت ثماني سنوات، بل لا تعتقدوا ان إيران أو أمريكا تدافعان عن العراق حبا في العراق وبالمجان ودفاعا عن الإسلام، فالأمر أكبر من ذلك». المشهد المحتدم في العراق بين الطرفين خلق أجواء من التأييد ومن التحفظ ومن المعارضة للرد الإيراني أو الرد من جماعات الحشد الشعبي سواء بمحاصرة السفارة الأمريكية في بغداد أو بضرب قواعد أمريكية (عين الأسد وأربيل) بصواريخ إيرانية فيما يعتبر البعض ان استهداف سليماني والمهندس هو مخطط أمريكي إسرائيلي، كما يطرح البعض انه مهما كانت التطورات في قضية الصراع بين إيران وأمريكا فيجب سحب السلاح من المليشيات التابعة للأحزاب مع التلميح إلى وجود استغراب في كيفية وصول المحتجين إلى مبنى السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء حيث يشاع ان قوات من الجيش العراقي قد تعاونت وسمحت بمرورهم إلى مبتغاهم. ومن خلال التصورات لاحتمالية مرحلة ما بعد سليماني والمهندس، طرح محللون سياسيون 4 محاور منها تتركز حول مواقف كل من الصين والروس وأمريكا وإيران، فالصين والروس يملكان علاقات طيبة مع إيران، وهما مع عدم استغلال الموقف ويعتقدان ان أي تدخل إيراني قد يضر بالمصالح الإيرانية في العراق، وأمريكا قواتها موجودة منذ سنة 2003 ومرتبطة مع العراق باتفاقية عسكرية. مع التنويه الى ان مجلس الشيوخ الأمريكي وعلى لسان نانسي بيلوسي (من الحزب الديمقراطي) تحرك للحد من صلاحيات ترامب في شن حرب على إيران فيما تسعى إيران من جانبها إلى العمل على خلق محور إسلامي معارض ومقاوم للتواجد الأمريكي بمنطقة غرب آسيا، ومصرة على الانتقام لسليماني والمهندس مرة، ومرة أخرى تحذر من تكرار الرد عليها، هذا إلى جانب تصور آخر لدى الدول الأوروبية يتمركز حول صعود حاد في اٍسعار النفط مما يشكل عبئا ماليا عليها، وبالتالي، التهدئة افضل بين الطرفين، وكذلك كان موقف دول مجلس التعاون الخليجي يدعو أيضا إلى ضبط النفس. تقابل هذه التصورات ان مطالب الشارع العراقي باستقالة عادل عبدالمهدي رئيس الوزراء لا زالت قائمة وهو في الوقت الحالي رئيس حكومة (تصريف اعمال)، فبالتالي قراراته غير فاعلة وملزمة ولا سيما ان مجلس النواب برئاسة أحمد الحلبوسي موافق بأغلبية معروفة على خروج قوات التحالف ولكن عدد من أعضاء المجلس متحفظون على خروج الأمريكان وهم من العرب السنة والأكراد خوفا من استفراد إيران وقوات الحشد لاحقا بهم، وعليه فإن العراق يعيش في خضم حالة متواصلة من الضيق والضغط والقتل والاختطاف وتعاسة العيش، فمتى يتجنب هذا الشعب الشقيق هذه الويلات، وكيف يمكن لهذا البلد ان يضبط نفسه وان لا يكون ساحة للاحتراب والصراع بين القوى الإقليمية والمحتلين القادمين من وراء آلاف الأميال؟ انه موقف ليس سهلا، ونعتقد انه في حال افساح المجال للقوى السياسية المعتدلة وللمفكرين والأدباء والكتاب العراقيين للمشاركة في تقديم الحلول الناجعة، والجلوس على طاولة للحوار الوطني مع أهمية استبعاد الطغم الملطخة أيديهم بالدماء والفساد، يمكن ان يخرج العراق بعافية من هذا القمقم ويستعيد دوره ومكانته بالمنطقة.
مشاركة :