"المصارع".. رواية مغربية عن الرّق والحب المستحيل

  • 5/27/2015
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

منذ روايته الأولى ان شا الله ما برح الكاتب المغربي صديق رباج (1968) يرصد نصوصه للشهادة على الحياة اليومية لأبناء بلده، حياة قاسية تتأرجح بين البؤس والأمل في غد أفضل. روايته الرابعة المصارع -التي صدرت حديثا عن دار Le Serpent à plumes الباريسية- لا تشذ عن هذه القاعدة، إذ يعالج فيها، إلى جانب موضوع التشدد الديني ومآلاته، موضوعا نادرا ما تناوله روائيو بلده، ونقصد وضع المغاربة ذوي البشرة السوداء، متطرقا من خلاله إلى تجارة الرق التي مارسها المغاربة في الماضي. تنطلق أحداث الرواية في زمن غير محدد على أطراف الصحراء المغربية، حيث تعيش قبيلة رايتسوت السوداء التي تمكنت بكدّها على مر السنين من تحويل أرض قاحلة إلى واحة خضراء. أبناء هذه القبيلة أشخاص مسالمون كادحون، لكن نجاحهم سيؤجج غيرة وطمع قبيلة مجاورة ترى فيهم غرباء على أرضها، فتهاجمهم بعد تسميم آبارهم، ولا تترك على قيد الحياة منهم سوى النساء والأطفال لبيعهم في سوق الرق. الشيطان الأسود من هذه المأساة لن ينجو سوى الفتى يحيى وأمه إيكو وأخيه الصغير هوس وأخته الطفلة فطوم، الذين ينجحون في الفرار ويلجؤون إلى مدينة في الشمال تُعرف بـزاوية سيدي لبيض حيث يعيشون تحت حماية شيخها. رغم صغر سنه (أربعة عشر عاما) وبشرته السوداء، يفرض يحيى بسرعة نفسه داخل مجتمعه الجديد، بقوته البدنية الكبيرة التي تتجلى أثناء تعلمه فن المصارعة والقتال. ومع أنه لا يعرف كيف يستفيد من الشهرة السريعة التي سيكسبها، فإنه ينجح بفضل موهبته القتالية في تحسين وضع عائلته وفي الانخراط داخل الحرس المقرب من الشيخ. وحين يُثبت شجاعة نادرة خلال المعارك التي سيشارك فيها، يلقبه منافسوه بـالشيطان الأسود ويعامله الشيخ كابن له. وتبدأ الرواية بقصة رهيبة، قصة حرب بين قبيلتين تبيد واحدة منهما الأخرى، لكنها لن تلبث أن تتحول إلى حكاية ساحرة يختبر فيها يحيى وعائلته عالما آمنا وكريما يعيش الناس فيه بتناغم ظاهر، ويوفر للمحتاجين مأوى وعملا وأملا بحياة هنيئة، قبل أن يدرك القارئ تدريجيا أن هذا العالم ليس في الواقع سوى دكتاتورية يتحكم بجميع مفاصلها شيخ الزاوية الذي يؤول النصوص الدينية وفقا لمصالحه ويلجأ غالبا إلى القوة لإخضاع جميع قبائل الجوار لسلطته. المُصارع رواية مغامرات بقدر ما هي رواية مسارية وعاطفية تتطلب قراءة بطيئة ومتأنية كي لا تفقد تفاصيل أحداثها الكثيرة ومميزاتها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كتابة رباج حسية بالدرجة الأولى، تلتقط جميع روائح وألوان وأصوات الجغرافيا التي تقع فيها الأحداث، وتجعل القارئ ينتشي بها، كما يحدث في الفصل الرابع المخصص لما يُعرف بـالموسم، أي ذلك الاحتفال الديني الذي تحتضنه الزاوية سنويا وتشارك فيه جميع قبائل المنطقة. حب مستحيل الاحتفال المشار إليه لا يقتصر على الاحتفالات الدينية والصلاة، بل تتخلله عروض رياضية في الفروسية والمصارعة، ينقل الكاتب بدقة أجواءها، واصفا جميع القبائل المشاركة فيها، ومتوقفا بالتفصيل عند خصوصيات هذه القبائل الجسدية وألوان وطبيعة هندامها ومميزات عروضها. ويجعل هذا الوصف القارئ مدركا لمدى الوقت الطويل الذي سيمضيه يحيى في هذه المدينة الفاضلة قبل أن يدرك حقيقتها، علما أنه لن يفتح جيدا عينيه إلا بعد وقوعه في حب الفتاة أودا الجميلة والمتمردة التي ستشاركه عواطفه، لكن سيحول لون بشرته وصغر سنه دون تفتح زهرة حبهما الجميلة. طبعا، ثمة روايات كثيرة قاربت موضوعي العنصرية والتشدد الديني، لكن ما يميز المصارع هو لجوء رباج فيها إلى شخصيات بسيطة وساذجة لا يمكننا إلا أن نتأثر بتوقها إلى العيش بأمان مع الآخرين، ومهارته في جعلنا نستسلم لوهم تلك الحياة المثالية الطوباوية في زاوية سيدي لبيض، قبل أن يكشف تدريجيا آثار التعصب والتسلط والخضوع المتخفية خلف قناع التشارك والورع الديني.

مشاركة :