في ذكرى ميلاد المناضل مارتن لوثر كنج

  • 1/21/2020
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في مثل هذا الشهر وقبل اثنتين وثلاثين سنة اعتقلت أثناء مشاركتي في اعتصام أمام مدخل السفارة الأمريكية في واشنطن. كانت السفارة الإسرائيلية تحتضن في مساء ذلك اليوم حفلا أقيم لتكريم روح مارتن لوثر كنج. عندما أتذكر الآن ما فعلناه في ذلك اليوم فإنني أزداد قناعة بأن تلك الطريقة التي اعتمدناها كانت الأفضل من أجل تخليد ذكرى المناضل الكبير مارتن لوثر كنج. لقد دفعتنا عدة عوامل لتنفيذ ذلك الاعتصام أمام مدخل السفارة الإسرائيلية الكائنة في العاصمة الأمريكية واشنطن. فقد كنا نشهد آنذاك انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي شارك فيها عشرات الآلاف من الشبان الفلسطينيين الذين لم يكونوا يحملون في حركتهم الاحتجاجية الجماعية العارمة سوى الحجارة في مواجهة جيش الاحتلال العسكري الإسرائيلي المدجج بالسلاح. ردا على الاحتجاجات التي كان يقودها الشباب والمقاطعة الواسعة للمنتجات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية أمر وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين بشن حملة قمعية ضد الشعب الفلسطيني وقد أطلق عليها شعار «القبضة الحديدية». فرض إسحاق رابين حظرا صارما للتجوال وراح يهدم المنازل ويطرد عشرات الفلسطينيين -كما أمر الجنود الإسرائيليين- حتى يتولوا «كسر أذرع» المتظاهرين و«تلقينهم درسا». رغم ذلك القمع المسلط على الشعب الفلسطيني في انتفاضته الأولى فإن السفارة الإسرائيلية في واشنطن لم تتورع عن الاحتفال بذكرى المناضل مارتن لوثر كنج كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية، بالتزامن مع ذلك، إطلاق اسم مارتن لوثر كنج على أحد شوارع مدينة القدس. قبيل ذلك الحفل الذي أقامته السفارة الإسرائيلية أعلمني رئيس الرابطة الإسرائيلية للحقوق الإنسانية والمدنية أن إسرائيل قد غرست على طول هذا الشارع أشجار الزيتون التي اقتلعتها وسرقتها من الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي زادنا سخطا وغضبا. كنت في ذلك الوقت عضوا معينا في اللجنة المكلفة بيوم الاحتفال بذكرى مارتن لوثر كنج في العاصمة الأمريكية واشنطن، لذلك فقد عبرت عن مواقفي الغاضبة لزملائي في اللجنة وطلبت منهم أن يشاركوا معي في الاحتجاجات، إذا إن الكثير منهم قد اعتبروا أن ما فعلته إسرائيل يمثل إساءة كبيرة لذكرى وإرث مارتن لوثر كنج في ذلك اليوم. شارك ثلاثة من أعضاء اللجنة المذكورة في الاحتجاجات وقد تم اعتقالهم مثلي وقد كنا يومها نحمل لافتة عليها: «لقد علمنا مارتن لوثر كنج اللا عنف والعدالة ولم يعلمنا الاحتلال والقمع». بعد أن قمنا بسد مدخل السفارة الإسرائيلية لبعض الوقت تم اعتقالنا ومثلنا أمام أحد القضاة الذي وجه لنا التهم قبل أن يأمر بإطلاق سراحنا. تم بعد ذلك إسقاط التهم الموجهة إلينا إذ إن احتجاجاتنا كانت تدخل في إطار التعبير عن حرية التعبير السياسي. أردت أن أسرد هذه القصة اليوم لأعبر عن فخري باختياري هذا النهج للاحتفال بذكرى الدكتور مارتن لوثر كنج، على غرار الكثيرين الآخرين الذين ناضلوا كي يتم الاعتراف بذكرى ولادة مارتن لوثر كنج كعيد قومي في الولايات المتحدة الأمريكية. رغم ذلك فقد كنت أشعر منذ السنة الأولى تقريبا بأن هذه الاحتفالات لم تف المناضل الكبير حقه ولم ترتق إلى مستوى الإرث النضالي الكبير الذي تركه. تلك الاحتفالات لم تبرز من الدكتور مارتن لوثر كنج صورة المناضل الشرس في دفاعه المستميت عن العدالة العرقية والاقتصادية وانتقاداته اللاذعة للنزهة العسكرية الأمريكية وفساد وجشع النظام السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية. يجب أن ننوه أن أكثر من نصف الأمريكيين ممن هم اليوم على قيد الحياة لم يكونوا قد ولدوا عندما كان الدكتور مارتن لوثر كنج يناضل أو أنهم كانوا في تلك الحقبة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك فإنهم لا يحملون اليوم ذكريات التمييز العنصري في المطاعم والكلاب والخراطيم التي تطلق ضد الأطفال الذين يشاركون فقط في المظاهرات من أجل المساواة.إنهم لا يتذكرون أي شيء عن ذلك الخطاب العنصري الذين يستخدمه أعضاء مجلس الشيوخ في الكونجرس وحكام الولايات، أو مساعي أولئك الذين كانوا يريدون الإبقاء على مظاهر التمييز العنصري والتي كان الدكتور مارتن لوثر كنج وزملاؤه يناضلون من أجل إنهائها. لا نزال حتى اليوم نأمل أن يكون يوم الاحتفال بعيد ميلاد الدكتور مارتن لوثر كنج مناسبة لتذكر تاريخنا العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية والتوقف عند تلك التضحيات التي بذلها مارتن لوثر كنج والمثيرون معه من أجل إحداث التغيير المنشود وإقناع الآخرين عند الضرورة بعدم اللجوء إلى أسلوب العنف في معركتهم ضد اللا مساواة والفقر والحرب. بطبيعة الحال، أي إساءة لإرث مارتن لوثر كنج مرفوضة وخاصة من أولئك الذين يمارسون نفس السياسات التي ناضل ضدها وضحى بحياته من أجل التصدي لها، لذلك أنا فخور اليوم بما فعلته قبل اثنتين وثلاثين سنة كما أشعر بأن مارتن لوثر كنج كان ليفخر أيضا بما فعلناه يومها. هذا ما يمكن أن نفعله هذه السنة في ذكرى عيد ميلاد المناضل الكبير الدكتور مارتن لوثر كنج. يجب أن نبذل بعض الجهد من أجل معرفة ما كان يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة الخمسينيات من القرن العشرين الماضي -أي ذلك العالم الذي دفع مارتن لوثر كنج حياته من أجل تغييره. يجب أيضا أن نبرز التغييرات التي حدثت والتغييرات التي لم تحدث حتى اليوم ومن ثم تقييم الخطر المتمثل في إمكانية الانزلاق ثانية إلى الوراء وخاص فيما يتعلق بالعدالة العرقية والاقتصادية. يجب علينا اليوم أن ننظر إلى العالم الواسع والسياسة الخارجية الأمريكية حتى نفهم كيف كان يمكن لمارتن لوثر كنج أن يتعامل مع التحديات العديدة التي نواجهها اليوم. يمكن أن نختار قضية عرقية أو اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية تنطوي على مظلمة ثم نكرس هذه السنة من أجل تحقيق العدالة في هذا المجال. هذه بحسب رأيي خير طريقة نكرم بها ذكرى وإرث المناضل الكبير مارتن لوثر كنج، الذي ضحى بحياته من أجل إعلاء قيم العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.‭{‬ رئيس المعهد العربي الأمريكي

مشاركة :