ماردين... متحف في الهواء الطلق!

  • 5/28/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا يرد اسم مدينة ماردين الصغيرة، الواقعة جنوب شرقي تركيا، في نشرات الأخبار، إلا وتحظى المدينة العتيقة بسمعة تتناسب مع مكانتها التاريخية التي تجلت في الفيلم التسجيلي الذي حمل اسمها، وأخرجه الصحافي والشاعر السوري عبدالله الحامدي، وعرضته أخيراً «الجزيرة الوثائقية». ماردين، الغافية على تلة، تتلألأ أضواؤها كـ «عقد ألماس»، من مدينة عامودا السورية الحدودية، تعد مثالاً نموذجياً لتعايش الأعراق والقوميات والأديان والثقافات، فهي تكاد تكون «تركيا مصغرة»، بل هي مثال للتنوع الذي تحفل به منطقة «ميزوبوتاميا» أو بلاد ما بين النهرين، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون، الأكراد والعرب، الأرمن والسريان، اليزيديون والكلدان وسواها من الأديان والقوميات التي امتزجت عبر التاريخ بروح هذه المدينة، فشكلت تراكماً ثقافياً هائلاً يمنح ماردين خصوصية فريدة. يتكئ الفيلم على هذه الخصوصية، ويرصد الإرث التاريخي الحضاري لها، ويسعى إلى كشف بعض أسرارها، فيقدم صورة شاعرية، بالغة الثراء، عن جوامع المدينة ومآذنها وقبابها وكنائسها وأزقتها وممراتها المسقوفة... ونسمع خلال توالي هذه الصور قصائد مدح من سكان المدينة من مختلف الشرائح: أئمة الجوامع، الكهنة والمطارنة، صاغة الذهب والفضيات، الباعة، ربات المنازل والحراس الذين يشاركون في رسم تفاصيل وملامح المدينة التي «ولد فيها التاريخ». ولا يكتمل المشهد إلا بموسيقى فولكلورية تعبر عن نزعة الجمال والتسامح التي يتحلى بها أهل ماردين لدرجة أن كل الهويات تذوب لمصلحة هذه البقعة الجغرافية، فالقاطن فيها يعرف بـ «مارديني» أو «ماردلي»، نسبة إلى المدينة، من دون أية هويات أخرى، وهي كثيرة، وهي، حقاً، تجربة تاريخية فريدة تستدعي الدراسة والتأمل وسط الصراعات المذهبية والعرقية التي تعصف بالشرق الأوسط. المدينة القديمة اتخذت اسمها من ماريا، وهي ابنة أحد الحكام المحليين، والتي أصيبت بمرض استدعى أخذها إلى مكان يتمتع بهواء صاف عليل، فكانت التلة، التي بنيت فوقها ماردين، لاحقاً، هي الملاذ، ومن هنا جاء الاسم. «يا لطول مرور السنين على كل شيء هنا». هذه الجملة التي قالها الشاعر برودسكي عن إسطنبول، ترد إلى البال لدى متابعة هذا الفيلم الذي يرصد الطرز المعمارية الجميلة والمتنوعة للمدينة، ويراقب تشابك الثقافات والحضارات والأزمنة والوجوه والرموز، ويستعرض جغرافيتها الاستثنائية التي تمثل جسراً بين الشرق والغرب. واللافت، أن الحامدي، وهو كاتب السيناريو، كذلك، لا يستطيع النظر بحيادية إلى هذه المدينة الملونة، بل يغوص بكاميرته في جنباتها وأحيائها، وكأنما يفتش عن كنز ضائع بين طبقات التاريخ المنسي، ليوجه تحية الى مدينة استوعبت كل هذا التعدد عبر القرون، ولينهي الفيلم بقصيدة له يتغنى خلالها ببهاء ماردين الشبيهة بمتحف مفتوح في الهواء الطلق، والقريبة من النجوم.

مشاركة :