الألعاب تلجم مخيلة الأطفال عن الابتكار والإبداع

  • 1/22/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يتزايد اعتماد الآباء والأمهات في وقتنا الحالي على اقتناء اللعب التي تعرضها المحلات التجارية بكم هائل ومتنوع لاستقطاب اهتمام الأطفال، مما يتسبب في تناقص قدراتهم الفكرية وخيالاتهم وإبداعاتهم لخلق أنشطتهم الخاصة. وقالت المختصة النفسية والكاتبة الأميركية نانسي كولير “في هذا العصر، تبدو المتعة أمرا يمكن للآباء والأمهات شراؤه من المتجر، وإذا لم يجد أفراد العائلة وخاصة الأطفال مجموعة من الأنشطة لترفّه عنهم، فلن يجدوا ما يمكن أن يفعلوه في أوقات فراغهم. وأضافت كولير صاحبة كتاب “الطريقة التي يجب أن يتبعها المرء حتى يبقى عاقلا في عالم افتراضي”، “عندما لا نفتح صندوق اللعبة الجديدة، نواجه فراغا كبيرا لا نستطيع أن نتعامل معه. إذا لم نستعد لهذا عبر شراء ‘متعة جاهزة’، فلن نجد أي نشاط يبعث فينا المتعة على الإطلاق”. وتابعت “سألتني امرأة ثرية عما إذا كان شراء 365 لعبة أمرا غير معقول، حيث أرادت أن تجد أنشطة يمكنها القيام بها كل يوم مع طفلها البالغ من العمر 6 سنوات. تفهمت هذه الرغبة لكنني قلت لها أن تبحث عن خيارات أخرى”. وتحدثت عن تجربتها قائلة “عندما كانت صغيرة، كان وقت الفراغ يعني الرسم والقراءة. كنت ألعب مع أخي معتمدين طرقا تتطلب توظيف خيالنا للتوصل إلى أنشطة يمكننا القيام بها داخل المنزل وخارجه”. وأضافت “أنا لا أدعي أن الطريقة التي نشأنا بها كانت أفضل، ولكن الاختلافات في تحقيق المتعة عميقة، وتخلق عواقب حقيقية تؤثر على أطفالنا على المدى القصير والبعيد”. وأوضحت الخبيرة النفسية “الاعتماد على اللّعب التي يتم شراؤها من المتاجر يحول الأبناء إلى متلقين سلبيين لتجربة مصنعة. فهم يعتمدون على النشاط المرسوم على صناديق اللعب لتوجيه انتباههم مما يجعلهم أقل ميلا أو قدرة على توظيف خيالهم لتوليد نشاط مثير للاهتمام”. وتابعت “نشتري نظاما تم إنشاؤه من أجلهم ويلعبون بطرق معينة دون أن يمروا بعملية تفرض عليهم إنشاء شيء من لا شيء”. وقالت موضحة “نحن نلعب دورنا، لكننا نتبع كل ما تخبرنا الإرشادات به، ونتعاون دون التحرر من صفة المستهلك، ونتلقّى تجربة المرح من صندوق يوفر لنا المواد التي تفرحنا. نتيجة لذلك، تتناقص قدرات أطفالنا وخيالهم وإبداعهم”. وأضافت كولير “كما تدرِّبنا فكرة المتعة كعنصر يأتينا في صندوق اشتريناه من متجر ما على البحث خارج أنفسنا عما يمكن أن يسلّينا. ننتقل إلى السوق بحثا عن شيء يمكن أن يحفزنا ويلفت انتباهنا. لكننا لا ننظر إلى أنفسنا كمصدر للإبداع ولا نستخدم عقولنا لاختراع أنشطة مثيرة للاهتمام”. كما أشارت إلى أن الآباء والأمهات أصبحوا يعملون من خلال نموذج خارجي، حيث أنهم أصبحوا يبحثون عن شيء يمكن أن يحافظ على انتباه أطفالهم لبضع دقائق، ويملأ الفراغ الذي أصبح بداخلهم حتى يملّون منه. كما أنهم أصبحوا يبحثون في المركز التجاري بدلا من البحث في داخل أطفالهم وفي خيالهم بطريقة تساعد على تطوير اهتماماتهم. وبالتالي، أصبحوا يعتمدون على مقدمي الخدمات الخارجيين أكثر فأكثر، وتحوّل المرح إلى هبة يتلقونها من مصدر خارجي مثل ديزني. وأضافت “يخلق هذا النهج الجديد المعتمد في التسلية فكرة توحي بأن المتعة لا تتجاوز مجرد تجربة محدودة قائمة بذاتها. وأصبح المرح شعورا نحسّه لبضع دقائق بمساعدة لعبة، ولكن يختفي الترفيه بعد فترة الانتهاء منها”. كما نبهت إلى أنها لا تهدف إلى دفع الآباء والأمهات إلى نقطة يصبحون فيها مقتنعين بضرورة التخلص من جميع الألعاب التي يتلقاها أطفالهم، حيث لا تعدّ الألعاب نفسها جوهر المشكلة، مبينة أن المشكلة تكمن في كيفية تغيير صناديق المرح التي يشترونها من المتاجر للطريقة التي ينظرون بها إلى أنفسهم وقدراتهم في الحياة. وأفادت أن هذه اللّعب التي تجذب انتباه الأطفال لفترة صغيرة غير مبهجة كما تبدو لهم، فعلى مستوى أعمق، تدفعهم إلى الابتعاد عن خيالهم ورفضه، وتعلّمهم إهمال الاهتمام بمصالحهم، وتشجعهم على الاستسلام للسوق كما لو كان المصدر الوحيد لمتعتهم. كما أنها تعلمهم ألا يثقوا في أنفسهم وفي قدراتهم على خلق مصادر متعتهم الخاصة بهم. وتابعت موضحة “لا ألوم الأمهات والآباء على شراء الألعاب لأطفالهم. كأم، أتفهّم رغبتهم في أن يستمتع أطفالهم ولو لساعة واحدة لا يضطرون فيها إلى خلق أنشطة للفوز باهتمامهم. لا أحكم على تصرفاتكم، لكنني أريد أن أشجعكم على أن تكونوا أكثر وعيا بما تفعلونه لأطفالكم”. كما نصحت الخبيرة النفسية الآباء والأمهات قائلة “في المرة القادمة التي تجدون فيها أنفسكم تبحثون عن لعبة ما من المتجر، توقفوا للحظة واسألوا أطفالكم وأنفسكم عما إذا كان هناك شيء يثير اهتمامهم”، منبهة إلى مدى أهمية أن يتذكروا استشارة خيال أطفالهم أولا. وشددت على ضرورة تعلم النظر إلى داخل الطفل قبل الاستعانة بمصادر خارجية لخلق تجربة ممتعة، موضحة أنه في داخل كل إنسان يمكن أن نجد مصدرا للأفكار غير المحدودة، مع عدم التسرع في الحصول على نتيجة، نظرا إلى أنه تم تدريب خيال طفلك على الاكتفاء بما توفره الألعاب، وبالتالي، قد يستغرق اعتماده على نفسه في ابتكار ألعاب خاصة به بعض الوقت. وختمت كولير قائلة كآباء وأمهات، يجب علينا أن نحرص على تعليم أطفالنا كيفية الاعتماد على أنفسهم واستغلال ما توفره لهم الحياة بمساعدة مخيلتهم. وتبقى هذه القدرة العامل الذي سيرون بفضله أن الحياة تحمل معنى. نريد من أطفالنا أن يعلموا بوجود مصدر للمتعة والفرح في داخلهم، وأن نثق في أنهم يتمتعون بكل ما يحتاجونه لخلق تجربتهم الخاصة. ومن جانبها أشارت ساندرا ويليس خبيرة سلوك الأطفال، إلى أنه لكل لعبة تأثيرها المختلف في شخصية الطفل، مشددة على ضرورة تعاطي الآباء والأمهات مع الطفل من خلال مراعاة عالمه، ومن خلال اتباع الطرق التي يفضلون اللعب بها، كي لا يقضوا على مخيلتهم، وشددت على ضرورة التخفيف من الأنشطة التي لا تجعل الطفل يتواصل مع محيطه. وكشفت الخبيرة البريطانية أنه من عمر سنتين حتى خمس سنوات يجب أن تعتمد كل أنواع اللعب المنزلي على الإبداع الذي من شأنه أن يجعل الطفل يبرز مواهبه، وعندما يدخل الطفل المدرسة على الأهالي أن يوجدوا الموازنة بين التعليم والترفيه. وقالت إنه كلما كانت فترة اللعب أطول تحت سن خمس سنوات، كان أفضل للطفل، مع التركيز على أن تكون فترة اللعب معتمدة على التنويع وكذلك الإبداع والابتكار. كما نصحت ويليس الآباء والأمهات بأن يقدموا للطفل الذي لا يتمتع بالقدرة على الإبداع الفكرة الأساسية، وتركه يكملها بطريقته الخاصة بالاعتماد على مخيلته.

مشاركة :