في حديثه الشامل بجمعية رجال الأعمال في 14 يناير 2020 أكد الأستاذ رشيد محمد المعراج محافظ مصرف البحرين المركزي على العائق الاكبر الذي يواجه انطلاقة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ليس في البحرين وحدها بل في مختلف دول العالم، والمتمثل بالتمويل، حيث «يعزف الكثير من البنوك عن التعامل مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولا سيما البنوك التجارية التي تركز على الضمان فقط عند تقديم أي قرض، وحيث ان اغلب المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا يتوافر لديها الضمان الكافي ولا سيما العقاري منه، وبالتالي تجد الكثير من المشروعات نفسها تائهة»، فضلا عن الضعف الاداري ونقص الخبرة وغياب التنظيم المحاسبي، الامر الذي يجعل رأس المال الجريء في بعديه التمويلي والاداري هو الحل الامثل للنهوض بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهذا ما ينطبق تماما مع استنتاجات اطروحة الدكتوراه التي تقدم بها الباحث عمر المحيسن إلى كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والموسومة بـ«التمويل برأس المال الجريء وآثاره الاقتصادية من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة- دراسة تأصيلية تطبيقية» والتي عرضنا مقدمتها وفصلها التمهيدي في المقالة السابقة، ونواصل في هذه المقالة عرض فصولها الاخرى، فقد تناول في الفصل الأول واقع التمويل برأس المال الجريء في المملكة العربية السعودية، موضحا انها تحتل المركز الثاني بعد دولة الامارات العربية المتحدة لسنة 2018 فيما تحتل المرتبة الحادية عشرة من بين أكثر من مائة وثمانين دولة من دول العالم وذلك في مجال تيسير إجراءات التمويل الجريء. وتتعدد قطاعات التمويل برأس المال الجريء في المملكة فمنها المشروعات التقنية، ومن أمثلة صناديق رأس المال الجريء المتخصصة بتمويل المشاريع التقنية، صندوق شركة الاتصالات السعودية وهو صندوق متخصص لتمويل مشاريع تقنية المعلومات، والإنترنت، والاتصالات، وتقنيات الاعلام، وتم تمويل عشرة مشاريع تقنية لغاية سنة 2018، وقد بلغ رأسمال الصندوق نحو (170) مليون دولار. وكذلك صندوق الرياض «للتقنية» المتخصص في الاستثمار في تقنية المعلومات والطاقة المستدامة والحلول المتقدمة، وبلغ رأسماله أربعمائة وخمسين مليون ريال سعودي، بالإضافة إلى صندوق الطيار للتقنية، وصندوق وادي مكة للتقنية، وغيرها. والقطاع الآخر الذي امتد إليه رأس المال الجريء يتمثل بقطاع الانتاج السلعي والخدمي، ومن امثلة الصناديق المتخصصة في تمويل هذا القطاع «صندوق الصناديق» وهو صندوق يتبع صندوق الاستثمارات العامة، أسس برأس مال مقداره أربعة مليارات ريال. كما أنشأت المملكة العربية السعودية صندوقا آخر برأس مال مقداره ملياران وثمانمائة مليون ريال، بمسمى صندوق الاستثمار الجريء الحكومي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. كما تساهم الشركات السعودية الكبرى العامة والخاصة في إنشاء صناديق التمويل الجريء مثل ارامكو، سابك، مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، شركة الخبير الدولية، ومجموعة راز القابضة، وشركة المجدوعي وغيرها.وفي الفصل الثاني الموسوم بـ«رأس المال الجريء وأهميته النسبية ومقوماته وخصائصه، أوضح الباحث ان التمويل برأس المال الجريء يمثل نسبة 25% من اجمالي تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المملكة لعام 2017، حيث بلغ حجم رأس المال الجريء نحو (8) مليارات ريال، وتم توفير التمويل لأكثر من (363) مشروعا، تتوزع على نحو (12) قطاعا تقنيا وانتاجيا وخدميا واجتماعيا، وغير ذلك من القطاعات والفروع، وأن هذا الاهتمام بالتمويل برأس المال الجريء للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ناجم عن الادراك لأهمية هذه المشروعات لنهضة الاقتصاد الوطني حيث تمثل نحو 90% من اجمالي المشروعات وتوفر نحو (60-70%) من فرص التوظيف حول العالم، وتساهم بنحو (65%) من الدخل العالمي لعام 2015. وقد اوضح الباحث عددا من اهداف الشركات الممولة لرأس المال الجريء مثل تنويع مصادر الدخل للشركة الأم، وتحقيق المسؤولية الاجتماعية للشركات، ودعم وتوطين المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإذا كانت الجهة المنشئة لصندوق التمويل برأس المال الجريء جامعة فإن هدفها الرئيس الارتقاء بمخرجاتها وتوفير العمل الانسب لمؤهلاتهم، وغيرها من الاسباب. ومما ينبغي الاشارة إليه قوة العلاقة بين التمويل برأس المال الجريء وريادة الاعمال حيث يحتاج الرياديون والمبادرون إلى الخبرة الادارية والدعم اللوجستي بالإضافة إلى رأس المال، وذلك لا يتحقق الا برأس المال الجريء، ولا سيما ان اغلب الافكار الريادية تتسم بالمخاطرة العالية من جانب، وتنطلق من الشباب الذين لا يمتلكون المال ولا الضمانات التي تقنع البنوك لمنحهم التمويل التقليدي المناسب من جانب اخر. وتناول في الفصل الثالث المعنون بـ«الاثار الاقتصادية لرأس المال الجريء»، مجموعة من الاثار الايجابية التي تسهم في توسيع سلة السلع والخدمات المنتجة وطنيا، وزيادة القيمة المضافة المتحققة، وتوفير فرص العمل النوعي للشباب السعودي، علاوة على الحد من مشكلة نقص التمويل التي تعاني منها المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتقليص حالات التعثر الناجمة عن الضعف الاداري وغياب التخطيط الاستراتيجي، ودعم المستثمرين والمبادرين الافراد للاستفادة من برامج الخصخصة التي تشهدها العديد من المؤسسات العامة وفقا لرؤية المملكة 2030، وعلى صعيد المشروعات القائمة يلعب رأس المال الجريء دورا مهمًّا في تحديثها وتطوير تقنياتها وتوسيع اسواقها، ومنحها القدرة على المنافسة إقليميا ودوليا. وللموضوع بقية في مقال قادم ان شاء الله.{ أكاديمي وخبير اقتصادي.
مشاركة :