تتجه السلطة الجزائرية إلى ضخ دماء جديدة في أذرعها السياسية والإعلامية، عبر إعادة رسم الخارطة السياسية والحزبية، بعدما استهلكت القوى التقليدية الموالية للنظام خلال العقود الماضية، وذلك من أجل الإيحاء للرأي العام بإحداث تغيير في المشهد الداخلي، تماشيا مع مطالب الشارع المنتفض منذ نحو عام. ويستعد العقيد العسكري المتقاعد محمد العربي شريف لإطلاق حزب جديد، اختار له خطاب “النوفمبرية الباديسية” برنامجا سياسيا، استنبطه من موجة الموالين للسلطة الجديدة، التي تبنت خيارات المؤسسات الانتقالية السابقة، وعلى رأسها قائد أركان الجيش الراحل الجنرال أحمد قايد صالح، وأبدت معارضة لما أسمته بـ”تشدد الحراك الشعبي في رفع سقف المطالب السياسية”. ويعد العقيد المتقاعد من الشخصيات المتلونة مع مختلف الوضعيات والتطورات السياسية، قبل أن تستقر في المسار الذي وضعته السلطة الانتقالية السابقة والمؤسسة العسكرية تحديدا، حيث كانت من أبرز المدافعين عن خيار الانتخابات الرئاسية في شكلها الذي أفضى عبدالمجيد تبون رئيسا للبلاد، ولم تتوان في توجيه انتقادات صريحة للحراك الشعبي وللمعارضة. وكان حزب تيار السلام، أول التشكيلات السياسية خلال الأشهر الأخيرة، مستفيدا في ذلك من التسهيلات التي منحتها وزارة الداخلية والجماعات المحلية مع ملف اعتماد الأحزاب السياسية والجمعيات، تنفيذا لتعليمات نظام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، قبل أن يتنحى في أبريل الماضي. وذكر مصدر مطلع لـ”العرب” أن العديد من الملفات طرحت في وزارة الداخلية من أجل اعتماد أحزاب سياسية وتنظيمات وجمعيات خلال المدة الأخيرة، على غرار حركتي “عزم” و”حزم”، المعروفتين بتبني الخطاب المعادي للمكون الأمازيغي في البلاد، لكن يجهل مصيرها في الظرف الراهن قياسا بتراجع السلطة الجديدة عن الخطاب المذكور، وإقرارها بإصدار قانون جديد يجرم خطاب الكراهية والعنصرية. وتتجه السلطة إلى إعادة رسم الخارطة السياسية في البلاد، بعدما استنفدت أوراق الأحزاب التقليدية الموالية للسلطة، والتي تحولت إلى مصدر لغضب الشارع، وتدخل في صلب مطالبه لإحداث التغيير السياسي الشامل، ويتعلق الأمر بالرباعي المؤيد لنظام بوتفليقة سابقا ولتوجهات السلطة حاليا، وهو، حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية الجزائرية وتجمع أمل الجزائر. ويتواجد قادة الرباعي في سجن الحراش بتهم الفساد السياسي والمالي، إثر فتح الحملة القوية لمحاربة الفساد خلال الأشهر الماضية، وهم جمال ولد عباس، محمد جميعي، أحمد أويحيى، عمارة بن يونس وعمار غول، الأمر الذي يعد أحد أسباب حرج نظام عبدالمجيد تبون من عودة هؤلاء إلى الواجهة السياسية، ولذلك يتجه إلى التخلص من الإرث السياسي للنظام السابق، بفتح الأبواب أمام طبقة سياسية جديدة في الشكل وتقليدية في الموقف والممارسة. ويبدو أن نظام تبون لم يعد في حاجة لأداء الأحزاب التقليدية الموالية، بسبب موقف الشارع منها بالدرجة الأولى، وحاجة السلطة إلى ثوب سياسي جديد ثانيا، فضلا عن صعوبة التحكم في مسارات تلك الأحزاب، خاصة بعدما توجه حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم إلى دعم المرشح المنافس عزالدين ميهوبي، المرشح عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، رغم أن تبون ينحدر عضويا من الحزب الحاكم. وبالموازاة مع ذلك دخل الرئيس تبون في مشاورات مع ملاك ومسؤولي وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، منذ الأربعاء، حيث استقبل في مكتبه بقصر المرادية عددا من مسؤولي القنوات التلفزيونية والصحف، على أن يستقبل عددا آخر خلال الأيام القليلة القادمة، في إطار مخطط يدخل في مسعى صناعة خارطة إعلامية جديدة. ويعد اللقاء المذكور الأول من نوعه منذ أكثر من عقدين من الزمن، حيث لم يسبق للرئيس المتنحي عبدالعزيز بوتفليقة أن التقى أو أدلى بتصريح أو حوار لوسيلة إعلامية محلية، كما لم يحدث أن نزل إلى البرلمان طيلة العشريتين اللتين قضاهما في قصر المرادية، الأمر الذي اعتبر تحولا لافتا في مسار السلطة الجديدة، إلا أنه لم تتضح لحد الآن الأهداف المتوخاة من مشاورات الرئيس مع وسائل الإعلام. ويرى مراقبون في الجزائر أن تغيير المشهد السياسي والحزبي في البلاد يتطلب مواكبته لتغييرات في المنظومة الإعلامية، ولذلك تتجه السلطة الآن للتخلص غير المعلن من الأذرع الإعلامية للنظام السابق، رغم ما أبدته من مرونة في التلون مع الوضع الجديد. وتجلى ذلك بوضوح أثناء تبني بعض المؤسسات الإعلامية القوية حملة معادية للرئيس الحالي خلال حملته الانتخابية، على غرار مجمع النهار الخاص، المحسوب على الرجل القوي في النظام السابق سعيد بوتفليقة، المسجون حاليا في سجن البليدة العسكري بتهمة التخطيط لقلب النظام السياسي. ويكون إقصاء المجمع المذكور من أول لقاء للرئيس تبون مع مسؤولي المؤسسات الإعلامية، رسالة قوية على عدم حاجة النظام للأذرع الإعلامية الموروثة مع عهد بوتفليقة، وتوجهه إلى بناء خارطة جديدة بمؤسسات أخرى، غير منزعجة من أداء دور البوق والترويج للسلطة، رغم مصداقيتها المفقودة لدى الرأي العام بسبب تجاهلها لفعاليات الحراك الشعبي، بإيعاز من دوائر فوقية أو عرض خدمات على السلطة الجديدة. وذكر مصدر مطلع لـ”العرب”، أن “تغير الأوضاع الاقتصادية والمالية لعدد من المؤسسات الإعلامية في الآونة الأخيرة، جاء نتيجة دعم غير معلن من السلطة لها، وأن تجاوزها للأوضاع المزرية التي يتخبط فيها الإعلام الجزائري جاء بفضل تقربها من السلطة، وهناك من شرع في توسيع نشاطه إلى طبع صحف أو إطلاق قنوات تلفزيونية جديدة، تحسبا لدخول المرحلة الجديدة”.
مشاركة :