تؤكد البيانات العالمية اتساع رهان الشركات على سوق السندات الخضراء خلال العام الماضي في ظل تشديد معايير الحكومات والضغوط الشعبية للالتزام بأهداف التحول العالمي لخفض الانبعاثات. ويؤكد مانويل أداميني مسؤول برنامج توعية المستثمرين في مبادرة سندات المناخ، وهي هيئة تنظيمية دولية، أن الشركات، باستثناء المصارف، “مثلت العام الماضي أكبر جهات إصدار السندات الخضراء حيث استأثرت بنحو 60 مليار دولار” من أصل أكثر من 250 مليار دولار. ومع أن تلك المبالغ تظل رمزية إذ لا تمثل سوى 1 إلى 2 بالمئة من سوق أدوات الديون، إلا أن السندات الخضراء تظهر حيوية متواصلة وباتت تحتل مكانة في استراتيجيات التمويل تتخطى بكثير وزنها الفعلي. وأوضح فريديريك غابيزون مسؤول سوق السندات لدى الفرع الفرنسي لمصرف “أتش. أس. بي. سي” أنه “بمعزل عن الأرقام، فإن التنمية المستدامة باتت أمرا لا يمكن التغاضي عنه لأنها تتمتع بميزة مزدوجة بالنسبة إلى الشركات، وهي شروط تمويل ممتازة وقناة تواصل مهمة للغاية”. ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى برام بوس، الذي يتولى إدارة سندات خضراء في شركة أن. أن. آي. بي الاستثمارية قوله “إننا نقترب من مرحلة يصبح فيها إصدار ديون خضراء أمرا طبيعيا، فثمة مجموعات كثيرة تشعر بأن عليها القيام بذلك، خاصة أن منافسيها يتسابقون إليها”. وتوقعت المحللة في مجال المالية المستدامة لدى وكالة ستاندارد أند بورز للتصنيف الائتماني فلوراني ديفيفي أن يتواصل النمو الذي يسجله هذا القطاع في الأعوام المقبلة. وأضافت أنها “تنتظر المزيد من التنوع على صعيد المشاركين فيه، بعد انضمام قطاع الاتصالات العام الماضي مع شركات تليفونيكا وفاريزون وفودافون، إضافة إلى الوقع الكبير لانضمام شركة بيبسي إلى الديون الخضراء”. لكن المحللة في مجال المالية المستدامة لدى ستاندارد أند بورز نويمي دو لا غورس أشارت إلى أن “العمليات تبقى مركزة في مجالات الطاقة والبناء والنقل منخفض الكربون” مضيفة أن “أوروبا تبقى المنطقة الأولى من حيث إصدارات الديون الخضراء”. وأشار جيروم زيكيني مسؤول قسم ديون الشركات لدى الفرع الفرنسي لمصرف أتش. أس. بي. سي إلى أن إقبال المستثمرين هو على الدوام محرك مهم “وهو يتركز على القطاع الأخضر أكثر منه على الدين التقليدي”. وأكدت ياسمينة سيرغيني مسؤولة مجموعة العمل الخاصة بالبيئة والمجتمع والحوكمة في وكالة موديز للتصنيف الائتماني في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، أن “هذا النوع من العمليات يتطلب موارد. وبما أن الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون يجب أن يكون مستداما، فإن الشركات تجازف بتخييب الآمال إذا قامت بحشد وسائلها من أجل قرض واحد”. وذكر بليز بوردي مسؤول إصدارات الديون للشركات في مصرف سوسيتيه جنرال أنه “لم يعد بوسع الشركات أن تسمح لنفسها بتجاهل هذه المواضيع، لكن القيام بالخطوة الضرورية يتطلب وسائل محددة، مثل قياس الوطأة، وهي نقطة ينتظر فيها المستثمرون الكثير من جانب الشركات”. ويخشى محللون أن توصل هذه الخطوات السوق إلى مفترق دقيق حيث أن النمو يولد المزيد من مخاطر “الغسيل الأخضر” الذي يوهم المستهلكين بمراعاة معايير بيئية. وقال أداميني “نأمل أن نشهد إقبال المزيد من الشركات لكي يؤدي ذلك إلى ضم قطاعات بقيت حتى الآن بعيدة تماما مثل الصناعة رغم أن تحديد المصداقية من ناحية المناخ سيصبح أكثر وأكثر صعوبة. الأمر الذي يطرح ضرورة التدخل على صعيد السياسة والتنظيمات”. ويرى إيمري كبوازو المدير العام لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني في فرنسا أن “هناك الكثير من الكلام حول معايير البيئة والمجتمع والحوكمة، لكن في ظل قلة التنظيمات، تبقى وطأة السلوك السيء ضعيفة على الصعيد المالي” الأمر الذي يجعل نوعية السوق تتوقف على حسن سلوك الزبائن الذين يلتزمون حتى الآن بمبادئ كبرى وضعت برعاية منظمة دولية. ويشكل قياس الوطأة الملموسة لسبل التمويل مفتاحا للمستقبل، لكن هذا القياس هو علم جديد يتقدم ببطء، ويمثل نشر المفوضية الأوروبية في يونيو الماضي نظام تصنيف في هذا المجال خطوة كبرى إلى الأمام. وواجه هذا التوجه خلال العام الماضي تحديات بظهور سندات عرفت بسندات التحول أو سندات مرتبطة بعوامل البيئة والمجتمع والحوكمة، والتي أثارت الكثير من التحفظ. وشدد أداميني على أن مبادرة سندات المناخ تمكنت من عزل “55 إلى 60 مليار دولار من السندات الخضراء الخالية من المصداقية”.
مشاركة :