كان حضور الصحفية والناشطة الشابة نارين شمو طاغياً ومميزاً بمنتدى دبي للإعلام هذا العام، عندما خطفت العقول والقلوب خلال عرض فيلمها الوثائقي الذي يحمل العديد من المآسي و القصص الإنسانية، وتروي للحضور تفاصيل القضية ومعاناة الأطفال الصغار في العراق من بطش الإرهاب والتطرف على يد داعش، وحصدت تعاطف واحترام الجميع بحجم تعاطفها مع قضية بني جلدتها وتكريس كل حياتها ورسالتها الصحفية لنجدة المظلومين والبحث عن المخطوفين. حاولنا الاقتراب منها من خلال هذا الحوار.. } عرفينا أكثر بنفسك - لا أجيد التعريف بنفسي لكنني بالمختصر من مواليد 1986 من منطقة بعشيقة وبحزاني التابعة لقضاء الموصل بالعراق، عملتُ لأكثر من 10 سنوات في الصحافة والإعلام متنقلةً بين الصحافة الورقية والمسموعة والمرئية أيضاً الرقمية، في الأربع سنوات الأخيرة تخصصت في الصحافة الاستقصائية وكانت لي تجارب ناجحة في هذا المجال كما لدي كتابات أدبية تعكس الواقع بأسلوب مرن. } كيف كانت طفولتك؟ وبم تصفينها؟ - تربيت في عائلة متماسكة وتحت رعاية أم عظيمة، فقدت والدي وأنا لم أكمل الثلاث سنوات، رغم أنني وإخوتي تربينا في فقر حال الآلاف من العوائل العراقية في زمن الحصار فإن أمي تمكنت من احتواء احتياجاتنا، والفراغ الأبوي الذي كان يبرز في الكثير من الأحيان، كما أن طفولتي كانت حافلةً بالتنقل، ربما الظروف التي عشتها في طفولتي أصبحت حافزاً كبيراً لأشعر اليوم بالآخرين وأصر على المثابرة. } لماذا اخترت الصحافة رغم شهرتها بمهنة البحث عن المتاعب؟ وما هي رسالتها من وجهة نظرك؟ - لكل مجال مميزاته ومتاعبه لكن للصحافة ميزة فائضة باعتبارها منصةً ومنبراً لتناول قضايا الإنسان وحياته بمختلف مجالاته، اختياري جاء بشكل عفوي كوني كنت في البداية كاتبة مقال، أتناول في كل مرة مشكلةً من مشاكل المرأة في مجتمعنا الذكوري وأحاول معالجتها بنوع من التشجيع والتحفيز المطلق لكل قارئة أن تأخذ حقها بنفسها لا أن تطالب به. فيما بعد وجدت نفسي أتجه إلى الإعلام المرئي وأتنقل في مختلف مجالاته إلى أن اكتشفت هويّتي الإعلامية وهي الصحافة الاستقصائية، بالعادة طبيعتي ألا أسكت عن الخطأ، برأيي للصحافة رسالةٌ واضحةٌ ومسؤوليةٌ كبيرة كونها الأداة الوحيدة لتناول قضايا الأفراد والمجتمعات وتقريب وجهات النظر وجدت كي تعرف ما لا تعرفه وتسأل عما لم تسأل عنه وتناصر الحق دائماً، وإن كانت في موضع محايد. } ما هي أهم المجالات التي اعتدت الكتابة عنها قبل تبنيك لقضيتك؟ - كتبت وصوّرت وأعددت أعمالاً تخص حياة الإنسان وكرامته وسلامته، للمثال عملت على قضية تجنيد الشباب بالجماعات المتطرفة في سوريا واستغلال اندفاعهم، كذلك الاتجار بأعضاء البشر تحديداً في العراق، واستهداف الفقراء في هذه الجريمة من قبل شبكات من السماسرة محلياً وإقليمياً، وأيضاً ختان الإناث في إقليم كردستان العراق والمأساة التي يعيشها ضحايا هذه العادة ودور رجال الدين في هذا الصدد، إلى جانب قضية المياه الملوثة وتهديدها لحياة الناس في سنجار و الموصل، والاتجار بالمخدرات والتعامل الخاطئ للحكومة مع المتعاطين على أنهم مجرمون وعدم توفير مراكز صحية لمعالجتهم، وأعمال أخرى تستهدف حياة الإنسان. } كيف تغيرت حياتك منذ تبنيك القضية الإيزيدية؟ - اختلف كل شيء، كل الأهداف والمشاريع الشخصية اضمحلت، حتى طباعي الفردية تغيرت بشكل لا إرادي، تركت العمل مع القناة التي كنت بدأت معها، ونظام حياتي تلقائياً تغير، وصار الواقع المرّ الذي تعيشه الإيزيدية والأقليات في شمال العراق والمختطفون الإيزيديون تحديداً محور حياتي، كما أن التهديدات الدائمة من داعشوالملاحقات الدائمة من الأمن الكردستاني أجبرتني على ترك البلاد، وكذلك عائلتي الآن مشردة خارج العراق في وضع سيئ لا يختلف عن وضع 400,000 إنسان إيزيدي نازح ولاجئ داخل إقليم كردستان العراق وخارجه، لكن لا أشعر بالسوء لأن حياتي تغيّرت، بل أجد أن للحياة قيمة أكبر عندما تعيشها لأجل هدفٍ سام وتشارك الناس ما يعيشونه من ظلم ومعاناة ومأساة تعتبر الأولى في التاريخ الحديث للبشرية. } لماذا اخترت تناول هذه القضية رغم احتمالات تعرضك للكثير من الأخطار والمصاعب؟ - لم أختر، وجدت نفسي بين عشية وضحاها في هذا الوضع، عندما ترى أبناء جلدتك وحدهم في أزمتهم الإنسانيةوعندما ترى إهمالاً وتقصيراً ملموسين من السلطة والإعلام والمجتمع فمن الطبيعي ألا تأخذ موقف المتفرج تحديداً عندما تملك إمكانية خدمة هذه القضية ورفع صوت المظلومين دولياً، كما أنني لست الوحيدة، هناك العشرات من الشباب والفتيات الإيزيديات كرسوا حياتهم لمساعدة الناس بعد الكارثة الإيزيدية في بداية أغسطس/آب 2014. } ما هو حصاد جهودك في تناول القضية حتى الآن وهل وجدت اهتماماً من الصحافة العالمية والعربية بالقدر الكافي؟ - الواقع مر، ولم يتغير إلى الآن، لكنني وكذلك زملائي نشعر بأننا فعلنا ونفعل ما يمكننا تقديمه وأيضاً ما هو فوق طاقاتنا الفردية، كنا الصوت الحقيقي والصارخ للمخطوفين الإيزيديين في الإعلام العالمي والعربي وكنا مصدراً رئيسياً للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية لنقل الانتهاكات والمأساة والواقع الإيزيدي والأقليات الأخرى أيضاً، وما زلنا نحفز الإعلام على تناول القضية الإيزيدية باستمرار وكان هناك اهتمام في بداية الأزمة التي لم تنتهِ بعد، لكن يبدو أن الإعلام العالمي مع التطورات الأخيرة حول العالم أبدى اهتماماً أقل بالمخطوفين والإبادة الإيزيدية كما ان الإعلام العربي بشكلٍ عام منذ الأيام الأولى إلى اليوم دوره مخجلٌ، ولم يتناول قضيتنا إلا بشكل سطحي وهذا أمر محزن كون هذه المأساة حصلت في رقعة أرضية لا تتجزأ عن العالم العربي ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتطورات في الدول العربية وانتعاش الج ماعات المتطرفة الإرهابية. } هل نجحت بالفعل في إنقاذ بعض المخطوفات، وما هي القصص التي أثرت فيك أكثر من غيرها؟ - لا أستطيع أو استلطف القول إنني نجحت فعلاً في الوقت الذي تواجه أكثر من 3000 أنثى إيزيدية مصيراً مجهولاً ويتخذن سبايا في القرن الحادي والعشرين، وأطفالنا المخطوفون تشوه إنسانيتهم وطفولتهم ويدربون ويلقّنون ويربون على الإرهاب ليصبحوا جيلاً مدمراً للإنسان، من دون أي ذنب. القصص لا تحصى فلا توجد مختطفة إيزيدية قصتها هينة، ولا توجد خيمة من خيم النازحين لا تحوي أكثر من قصة مأساوية، لكن تبقى بعض القصص لبناتنا المخطوفات ممن تعايشتُ مع مأساتهن لأشهر لا يمكن محوها من الذاكرة مهما حصل، وسأدونها بأمانة في كتاب في المستقبل القريب ليكون مصدراً لمأساة نسائنا وبصمةَ عار على جبين الإنسانية إلى الأبد. } حدثينا عن فكرة استخدام الفيلم الوثائقي في الترويج للقضية وكيف أفادك؟ - الفيلم أنتجته محطة ال بي بي سي العربية في فترة كان العالم يعرف المختطفات الإيزيديات لكن لم يعرف بشاعةداعشوأفعالها المشينة باسم الإسلام، كان مهماً بالنسبة لي عرض الفيلم في وقت أوشك العالم على نسيان آلاف المختطفين و هم يجبرون على تغيير دينهم، وتباع الفتيات منهم ويقدمن كهدايا، والأطفال يدربون على الإرهاب ومئات العائلات تنتظر مخطوفيها، وهي تعيش مأساةً وحالةً من العجز القاسي. ما التمسته من الإعلام العربي والعالمي من اهتمام بقضية المخطوفات ممن تحولن إلى مشروع استعبادٍ جنسّي بشع، جعلني أشعر بأن رسالتي فعلاً وصلت، كما أن المنظمات الدولية أيضاً بدت أكثر اهتماماً بتوثيق الواقع الإيزيدي، كان من المهم تحريك القضية مجدداً وبعمل وثائقي شفاف ومن منصة إعلامية مهمة محايدة ومهنية كالبي بي سي. ومن جانب آخر كسب تعاطف المشاهدين من انتماءات وجنسيات مختلفة، فتواصل الناس معي وسؤال البعض عن حال من ظهروا بالفيلم و مبادرتهم لمساعدة الضحايا أعطاني دافعاً أكبراً للاستمرار، لأنني أجد العمل مهما كان بسيطاً يجب أن يكون له انعكاس إيجابي عاجلاً أم آجلاً. } ما أهم المخاطر و التحديات و التهديدات التي تعرضت لها بسبب تبنيك هذه القضية؟ - أقول مهما أصبحت حياة الإنسان منا أسوأ، أو أكثر تهديداً، وفي صراعات وخوف أكبر، إلا أن قضية الإيزيديين برأيي تستحق كل هذا وإن فقدت حياتي أيضاً لأجلها فسيكون شرفاً لي.
مشاركة :