هل يعود الإخوان..؟!

  • 1/24/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تعمّدت أن يكون عنوان المقال غير مكتمل الصياغة ليكون محفزا للقارئ إلى إثارة سؤال كهذا: أقصدت بكلمة الإخوان معناها الأصلي الذي يحيل إلى الأخوّة ببعديها النَّسَبي والاجتماعي؟ أم أجريت الكلمة بدلالتها السياسية لأحيل على واحدة من أخطر تمظهرات الإسلام السياسي في عصرنا الحديث؟ وحسما مني للأمر أبادر مسرعا لأبدد أي التباس يُثير علامات التعجب بالقول إن البعد الدلالي الأصيل لكلمة «إخوان» لم يكن مقصدي إطلاقًا، وإن كان من القيم السامية التي يتشبث بها كل ذي عقل، وإني لأزعم في هذا الإطار أن في هذا العنوان ما يستحضر بعضا من المشاعر المتعاطفة عند القول بعودة الإخوان بالمعنى الاجتماعي النَّسَبي إلى بعضهم بعضا أو عودتهم مع بعض إلى محبيهم من الأهل والأصدقاء، وهو معنى يتجافى جملة وتفصيلا مع مضمرات جماعة «الإخوان المسلمين» الذين أساءوا ويُسيئون إلى المجتمعات العربية والإسلامية أيما إساءة؛ وليبرهنوا بما لا يدع مجالا للشك أنهم ليسوا بإخوان.  لقد اختارت الجماعة وتحديدا مؤسسها حسن البنا تسمية «الإخوان المسلمين» لبعدها الاجتماعي الجاذب، على الرغم من أن كل أعمال الجماعة وأدبيّاتها لا تتفق أبدا مع ما تتضمنه كلمة «إخوان» من أبعاد قيمية إيجابية، فتاريخ جماعة البنا في مختلف آثاره الاجتماعية والسياسية لم يخلّف لنا إلا ما يشهد على ما تضمره هذه العصابة من كراهية وحقد وإقصاء ممنهج لكل المختلفين معهم في الرؤى الدنيوية الاستراتيجية لبناء الدولة. ولعل القبض على عناصر إخوانية بجمهورية مصر العربية خططت للفوضى في ذكرى ثورة 25 يناير لدليل يوضح كم هم يعدون إخوانا للشعب المصري!  من جهة أخرى يشي العنوان بأن «الإخوان المسلمين» كتنظيم عانت منه وتعاني المجتمعات العربية والإسلامية قد انتهى في الواقع الاجتماعي في هذه المجتمعات، وهذا لا يتوافق مع الواقع أبدًا، فالتنظيم الحزبي للجماعة لم ينته بعد؛ لأن العوامل الموضوعية والمادية التي تحفظ بقاءَه مرضًا سياسيًّا مستعصيًا له أكلافه على وحدة المجتمعات مازالت قائمة ومن أبرز هذه العوامل عاملان أولهما الحاضنة التركية للجماعة وأفكارها، فتركيا العلمانية سمحت فيها الديمقراطية النيابية بأن تقع بين براثن حزب «العدالة والتنمية» الإخواني! الذي يسعى بواسطة هذا التنظيم إلى تزعم البلدان الإسلامية وإلى أن يوُقِع الدول العربية في شرك الدولة العثمانية المتخلفة من جديد إحياء لحلم امبراطوري يعيش هاجسًا بل هوسًا في دماغ رجب الطيب أردوغان رئيس تركيا وتنظيم الإخوان فيها. أما ثاني العاملين فهو دولة قطر، أو بالأحرى الصنبور المالي الذي منه تتدفق مليارات الدولارات لبقاء هذا التنظيم مؤثرًا وفاعلاً حتى وإن كان في ذلك أثر سلبي في تطور الحياة السياسية والاجتماعية في البلدان العربية والإسلامية، وكأن دولة قطر تستثمر في الخراب خدمة لأجندة استعمارية جديدة من أدواتها الرئيسة صناعة الخراب والإرهاب وتفتيت المجتمعات بشتى الوسائل والطرق.   دول الخليج العربي لم تكن في غفلة من أمرها عندما اخترق الإخوان المسلمون كجماعة منظمة المجتمعات الخليجية غير أن هذه الدول قد أرادت في مرحلة من الزمن هذا الحضور الإخواني لتوظيفه أداة لمحاربة انتشار الشيوعية وعموم اليسار، وفي هذا خطأ في التقدير؛ لأن هذه الأداة كانت سيئة؛ لأن أفكار الجماعة لا تتسق مع الدولة المدنية. وبعد انتصار «الثورة» الإسلامية في إيران ومجيء الخميني رافعًا شعار تصدير الثورة أخذ نفوذ «الإخوان» في التغلغل في المجتمع وفي بعض مفاصل الدول من خلال سيطرتهم على منابر الخطابة ووسائل الإعلام. واستمر هذا الحال حتى ظهرت الجماعة على حقيقتها وبانَ مسعاها في الانقضاض على السلطة السياسية إبان ما سُمي غدرًا بـ«الربيع العربي».  اليوم المشهد يعيد نفسه مع الإسلام السياسي الشيعي على نحو يتماثل هنا ويختلف هناك. ففي العراق بعد أن جاء الأمريكان بالإسلام السياسي الشيعي إلى السلطة ظهرت حالة من الانكماش على الذات وتصورت الأحزاب السياسية بأن تعزيز سلطتها لن يتحقق إلا بإضعاف المكونات الاجتماعية الأخرى من عرب سنة وأكراد وبقية المكونات. وقد عوّلت في تشديد قبضتها على السلطة على إيران الخمينية؛ حتى تجذر الوجود الإيراني وأصبحت السيادة العراقية مستباحة من الحرس الثوري الذي أصبح هو من يخطط ويقرر. ضاق المواطن العراقي ذرعًا فانتفض على الطبقة الحاكمة، وها هو يسطّر ملحمة التخلص من النفوذ الإيراني، ويقلب رأسًا على عقب آلية الاستقطاب الطائفية التي اعتمدتها إيران والمتمثلة في أن «الشيعي يتبع الشيعي» مهما كان موقفه من القضايا العربية والإنسانية، وليقول بملء الفم أن ما يدور في سوح النضال الوطني العراقي ليس احترابًا شيعيًّا شيعيًّا وإنما هو احترابُ وطنيين عراقيين مع عملاء خمينيين إيرانيين، بالضبط كما هو حاصل الآن بين الإخوان المسلمين بصفتهم التركية /‏ العثمانية ومجتمعاتهم العربية.  ما جرى لسنة العرب من الإخوان المسلمين وما يجري لشيعة العراق من الأحزاب السياسية الولائية المرتهنة للأجندة الإيرانية لا يختلف في الجوهر. الفرق هو أن الشعب في العراق قد ضاق ذرعًا بممارسات أحزابه الطائفية في الدولة فدافع عن نفسه ليبقى جزءًا عربيًا عزيزًا، أما في الخليج فإن الدول، ما عدا قطر، هي من تحارب التغلغل الإخواني في مفاصل الدول، وضمن هذا الإطار يفهم تصنيف عدد من الدول جماعة الإخوان تنظيمًا إرهابيًا.  فعلاً ما جرى ويجري ينبغي أن يكون درسًا تستفيد منه الأجيال القادمة ليكون مستقبلها أفضل مما نعيشه نحن اليوم، وفي اعتقادي أن سحب بساط المتاجرة بالدين من تحت هذه الجماعات أولوية الأولويات بفضحها وتجذير قيم المواطنة والعلم، فحيثما ارتفع منسوب العقل والمواطنة تقلّص حضور الدجل والخرافة واختفى المتاجرون بالدين والهوية وعلى رأسهم تنظيمات الإسلام السياسي بكل ألوانها.

مشاركة :