ما قبل «القديح» وما بعدها | عبدالمنعم مصطفى

  • 5/29/2015
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

قد تكفي كل القسوة، والقوة المفرطة للانتقام من مرتكبي مجزرة مسجد القديح، ولكن هل تكفي لاستئصال شأفتهم، ولاجتثاث جذورهم؟! علينا أن نتمعن في السؤال قبل أن نتسرع بتقديم الإجابة، فما حدث من تفجير مسجد بالقطيف يؤمه سعوديون أغلبهم من الشيعة، ليس مجرد واقعة عنف أراد مرتكبوها أن تبدو «طائفية»، بل هى جريمة استهداف وطن بأكمله، ليس مرتكبوها المباشرون سوى أدوات بأيدي من يحركهم لغايات أبعد وأهداف أكبر. القبض على الأدوات المباشرة مهم جداً، لكن قطع الأيدي التي تحرك تلك الأدوات أهم بكثير، لأنه ببساطة يتعامل مع الأهداف المباشرة للجريمة ويبطل مفعولها الطائفي. بدون إعلان داعش مسؤوليتها عن تفجير مسجد القديح، فإن الهدف الحقيقي للتفجير كان سيظل بعيداً، ذلك أن داعش التي تقدم نفسها كجماعة سنية مقاتلة، تريد أن تطرح صورتها داخل السعودية، كجماعة تقاتل الشيعة دفاعاً عن أهل السنة، ولكن من قال إن اهل السنة في السعودية يريدون مقاتلة مواطنيهم من أتباع المذهب الشيعي؟!.. المستفيد رقم واحد من ترويج تلك المقولة هى إيران، التي تطرح نفسها كحامية للشيعة حول العالم، تماماً كما تطرح إسرائيل نفسها كحامية لليهود حول العالم، فالجريمة بالشكل الذي جرت به يمكن تصويره ببساطة على أنه استهداف طائفي، هذا التصوير الساذج يفتح بصورة مباشرة ألف باب للشر، ويوفر لقوى الشر التي تستهدف وحدة السعودية وسلامة ترابها الوطني وربما أيضا صميم وجودها، ذرائع كافية للتدخل أو للعدوان. تفجير مسجد القديح، جرى في سياق زمني، لا يدع مجالاً للشك حول أهدافه، ولا حول هوية القوى الخارجية التي خططت له، فهو يأتي في سياق دخلت فيه المواجهة الإقليمية في سوريا واليمن والعراق طوراً جديداً، ففي سوريا يتآكل رصيد حلفاء طهران بشدة ويوشك على النفاد، وفي العراق تحتشد ذرائع التدخل الايراني المباشر، مع تسليم واشنطن بدور أساسي لطهران في تحرير نصف العراق الذي احتلته «داعش»، وفي اليمن تدخل الحرب ضد الحوثيين أتباع طهران طوراً جديداً، فيما يرد المرشد الايراني علي خامنئي مهدداً بنقل المعركة الى داخل السعودية. تفجير مسجد القديح، إذن، هو كلمة السر، لطور جديد من أطوار الصراع الاقليمي، ينطلق من باب «الطائفية» وتكتمل أركانه بإعلان داعش «السنية المتطرفة» مسؤوليتها عنه. المهمة المباشرة رداً على التفجير وإحباطا لأهداف من خططوا له ومن ارتكبوه، تبدأ عملياً بتقديم المجرمين المباشرين الى العدالة، أما المهمة الأخطر، فهى قطع الأيدي المحركة لهؤلاء المجرمين، فيما تظل المهمة الأكثر خطورة هى «اجتثاث الذرائع». المهمة المباشرة، تجري بالفعل، وقد رأينا وزارة الداخلية السعودية تكشف هوية مرتكبي جريمة القديح، وتتعهد بتقديمهم للعدالة، وفيهم كثرة من صغار السن، يمثل وجودهم في صفوف مستهدفي سلامة الوطن، جرس إنذار شديد الوطأة، لأنه يعني أن حاضنة العنف، لم تعد فقط جماعات مسلحة، وإنما أسراً و»أمهات» ضللن الطريق، أو جرى تضليلهن، وعلينا الآن أن نعرف، كيف؟! .. ومتى؟!.. ولماذا؟!.. أما المهمة الأخطر وهى قطع الأيدي المحركة لهؤلاء المجرمين المباشرين، وهى مهمة تجرى في مواجهة بطول الإقليم وعرضه، في سوريا واليمن والعراق ولبنان وحتى في ليبيا، ويتطلب انجاز تلك المهمة إعداداً هائلاً على كافة المستويات الدولية والإقليمية والداخلية. هذه المستويات من المواجهة تنقلنا بدورها الى المهمة الثالثة والأكثر خطورة، وهى «اجتثاث الذرائع»، أي حرمان من يخططون لاستهداف هذا الوطن، وتمزيقه، والسيطرة على مقدراته، من ذرائع التدخل في شؤونه تحت أي ادعاء، وفي هذا السياق تصبح الوحدة الوطنية الحقيقية، مطلباً أكثر إلحاحاً، وسلاح ردع لا بديل عن امتلاكه، ومصدر منعة تهون في غيابه الأوطان، وذلك عبر تكريس قيم «المواطنة الكاملة» والاقرار بحق الاختلاف وبثراء التنوع، والتأكيد على أن من يستهدفون فئة أو فصيلاً وطنياً إنما يستهدفون الوطن كله. moneammostafa@gmail.com

مشاركة :