لا تحرق النار إلَّا رجل واطيها

  • 1/24/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قال أبو الطيب المتنبي أشهر شعراء العصر العباسي (303هـ-354هـ)، قديماً: لا يعرف الشوق إلَّا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها لا يسهرُ الليلَ إلا من به ألمٌ لا تحرق النارُ إلا رِجلَ واطيها كما قال الشاعر كريم العراقي: لا تشكُ للناس جرحاً أنت صاحبه لا يؤلمُ الجرحُ إلا من به ألمُ من أجل ذلك، فالشبعان لا يعرف معني الجوع حتى يجوع والصحيح كذلك قد لا يعرف معني المرض وما يعانيه المرضى مادام أنه صحيح البدن، كما أن الغني ربما لا يعرف تماماً ما يواجهه الفقراء من شدة العوز والحاجة. دعاني لذكر ذلك موقف مر بي خلال زيارتي قبل الأخيرة لمدينة لندن، فقد طلبت مني إحدى شقيقاتي أن ترسل معي لابنتها التي تدرس في لندن مع زوجها بعضاً من الحاجيّات، ووضعت كل ذلك في كرتون ورقي مغلّف يزن أكثر من 35 كيلو جراماً بقليل. بعد وصولي إلى مطار لندن هيثرو وفور انتهائي من ختم الدخول واستلام الحقائب، وبالرغم من تحذير زوجتي لي بعدم حمل الحقائب بسبب زيادة الوزن وخاصة الكرتون الآنف ذكره، وطلبها مني الانتظار قليلاً لحين الحصول على المساعدة من مسؤولي حمل الحقائب، إلا أنني أصررت على حمل الحقائب بنفسي ووضعها داخل العربة المخصصة لحمل الحقائب والذهاب الى خارج المطار، وما أن وصلت لمقر سكني حتى شعرت بألم شديد في مؤخرة الظهر واستمر الألم لأكثر من أسبوع لدرجة أنني لم أستطع الجلوس أو المشي أو النوم من شدة ما أحس به من الألم. وبمراجعة الطبيب المختص طلب مني أخذ راحة مع بعض التمارين وعندها بدأ يخف الألم تدريجياً ولله الحمد والمنة. سبحان الله هذه الحادثة ذكرتني بتضجري الدائم وعدم رضائي عند كل رحلة سفر من تصرُّف موظف الخطوط وهو يرفض استلام الحقائب التي تزن أكثر من 32 كيلو جراماً بحجة أن الوزن له تأثير سلبي على صحة عمال حمل الحقائب، وأن هناك نظاماً دولياً يحدد الوزن المسموح به في حدود 33 كيلو جراماً للحقيبة الواحدة بحسب فئة السفر. بعد هذه الحادثة أقينت تماماً أهمية التقيد بالوزن المسموح عند السفر، وأخذت عهداً على نفسي بأن أتأكد من أوزان الحقائب شخصياً قبل الذهاب إلى المطار خوفاً من أن تكون إحداها ذات وزن يزيد عن المسموح به، وعندها تذكرت المثل الإنجليزي الشهير: «مهما قيل عن النار لا تتخيلها إن لم تلسعك».

مشاركة :