في مارس من عام2011م دخلت العلاقات التركية _الفرنسية مرحلة جديدة من التوتر بعدما شارك كل من الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي " ورئيس بلدية أنقرة في ما اصطلح على تسميته ب"حرب العلكة"..! فقد اتُّهم الرئيس الفرنسي بمضغ العلكة بطريقة استفزازية عند وصوله إلى العاصمة التركية، وعندماغادر المدينة بعد ساعات، رد رئيس بلدية العاصمة "مليح غوكشك"الإهانة بمضغ علكة وهو يودع الرئيس الفرنسي..! وقال غوكشك " لقد هبط ساركوزي من سلم الطائرة وهو يمضغ العلكة وتوقف للحظة .. ونظرحوله، واستمر في المضغ، لقد شعرت بالإهانة، لقد أبدى عدم الاحترام من قبل لرئيسنا عبدالله غول، خلال زيارته لفرنسا ولذا عندما ودعناه لم أخرج العلكة من فمي .. كان على أحد الرد "! وقد رفض ساركوزي الذي أغضب تركيا من قبل بالاعتراض على انضمامها للسوق الأوروبية التعليق على الواقعة التي حدثت يوم الجمعة! هذه الواقعة الدولية عن العلكة تذكرني بحادثة محلية وأطرف منها شهدت جزءها الثاني وهو الانتقام في مدينتي "جازان" "عندما توفيت إحدى النساء وتجمع الأهل والجيران والمعارف أثناء غسل السيدة للمواساة كماجرت العادة ولوحظ من بين الحضور سيدة أربعينية تملأ يدها بالفصفص"الزعقاء" كما تسمى هناك وتطقطق أو تأكل بتأن حبة حبة وتتأمل في الوجوه بهدوء ولا مبالاة وكأن الأمر لايعنيها،وكلما انتهى الفصفص الذي في يدها أخرجت غيره في ظل موجة صاخبة من البكاء والنواح لمن يدخل ويخرج من غرفة المتوفاة التي هي أم لنساء ورجال ومن ضمنهم سيدة تعرفها"سيدة الفصفص"بمعنى أنهم معارف وبلد صغير الكل يعرف الكل.. ما تقوم به كان ملفتاً لم تحترم الموت وما يحدثه من لحظات صمت تغلق المكان .. أصرت أكثر من واحدة على أن تقول لها" عيب"ولكن نظراً لشراستها ولسانها المرعب اكتفت المتابعات بواحدة بجانبها تستفسر منها عن "شو الفصفص"فقالت "هل ضايقكم ما أقوم به ؟ هذا شيء خاص بيني وبين فلانة التي هي ابنة المتوفاة.. ولابد أن أظل أتفصفص إلا أن تراني.. قيل لها"العزاء كله شافك ألا يكفي ذلك؟ "قالت: لا لازم هي تشوفني وما تكتفي بالسماع فالشوف بالعين يختلف عن أعين الآخرين.. وعلى كل بعد شوية تخرج الجنازة.. وستتقبل هي العزاء وستراني لأني لازم أوصل لها الرسالة! سألوها وما هي الرسالة؟ قالت من 10سنين وعندما ماتت أمي حضرت فلانة وهي تمضغ لبانة"علكة"وكنت أتمزق من البكاء على أمي وأتمزق من الغيظ على عدم احترامها للموقف، ولم أعلق أو أخبرأحداً، فقط دعوت ربي أن أبقى على قيد الحياة حتى تتوفى أمها وأرد لها الصاع صاعين ليس بعلكة ولكن.. بفصفص .لتشعر بما شعرت به.. ولاتحرق النار إلا رجل واطيها! ذهل من كن يستمعن وقبل الجدال خرجت جنازة الأم الله يرحمها وتكهرب الموقف، واختنق الجو العام بين بكاء وتشنجات وصراخ وانهيارات، ونسيت المعزيات فلانة الفصفص، لكنها كانت الوحيدة التي لم تركز على الجنازة ولم تذرف الدموع.. بل ظلت تتنقل بعينيها من مكان إلى آخر وبين الوجوه بحثاً عن غريمتها التي لم تظهر! وبينما الفصفص يوشك على النهاية.. ورائحة الموت تُغرق المكان وتنشر معها جواً جنائزياً قاتماً كانت هي تبحث في الوجوه بجنون ورغبة في أن ترى غريمتها بينما رفيقتاها الاثنتان تستعدان للمغادرة معها وهي ترفض الخروج إلا بعد أن ترى فلانة العلكة التي طال حضورها للمجلس لتلقي العزاء.. حضرت العائلة كاملة إلا هي اتضح أنها في حالة انهيار كامل وسيحضر الطبيب ليعطيها مهدئات لتنام للغد! وقع الخبر عليها كالصدمة القانلة حتى إنها نسيت وأسقطت لاأرادياً ماتبقى منه على الأرض مع منديل القشور وصديقتها تسحبها من يدها وتقول لها :لو أعرف باللي كنتِ هاتسويه كان جيت لوحدي ... الآن أنا أتحمل وزر ما فعلتيه! كانت هي مغيّبة تماماً وليس على لسانها :هل ستعرف أنني رديت حق أمي....؟ وأخذت ثأري.. صديقتها تضحك .. لا لا لن تعرف بس البلد كلها عرفت.. ونسيوا الميتة ولن يفتكروا الا "فصفصك" وستصبح حكايته حكاية على مر الزمن! في النهاية عرفت ابنة المتوفاة في اليوم التالي كعادتنا لانخبئ شيئا للغد، واستدركت أنها لاتتذكر ذلك الموقف أو أنها"مضغت لبانة" في موت أم الفصفص".. ربما كان ذلك غير متعمد وليس من قبيل الإهانة.. وربما كانت تعلك أصلا ًعند الذهاب ونسيت أن تتخلص منها.. ولم تلاحظ ذلك.. وحتى لاتتذكر التفاصيل، فالحياة بتفاصيلها اليومية تأخذنا معها.. كل يوم..!
مشاركة :