بعد قرنين من اختراعها، تواجه السماعة الطبية التي أصبحت رمزا لمهنة الأطباء مصيرا مجهولا. صار بالإمكان اليوم اعتماد عدد من الأجهزة المتطورة التي يمكن حملها بيد واحدة وتلك التي تمرر على الصدر معتمدة على تقنية الموجات فوق الصوتية. وعوض كل من الذكاء الاصطناعي وتطبيقات الهواتف الذكية آذان الأطباء لتحديد المشكلات في القلب والرئتين وغيرهما من الأعضاء. ويمكن لبعض هذه الأدوات تشكيل صور للقلب النابض أو عرض تخطيطات كهربائية القلب. يعتبر أخصائي أمراض القلب، إريك توبول، السماعة جهازا قديما من الماضي، ومجرد زوج من “الأنابيب المطاطية”. وقال “كانت جيدة لقرنين. لكننا أصبحنا بحاجة إلى تجاوز ذلك العصر. يمكننا أن نعتمد ما هو أفضل”. كتقليد قديم، تقدم جل كليات الطب الأميركية معطفا أبيض وسماعة طبية للطلاب كدلالة على انطلاق حياتهم المهنية. ولا تعدّ العملية مجرد طقوس رمزية، حيث يدرّس التشخيص بالسماعة إلى اليوم، وتعتبر معرفة طريقة استعمالها أمرا ضروريا للأطباء. على مدار العقد الماضي، مكّنت التكنولوجيا من تقليص حجم الأجهزة التي تعتمد الموجات فوق الصوتية لتصوير الأنسجة والأعضاء لتصبح أصغر من أجهزة التحكم عن بعد. كما صممت سماعات رقمية يمكن ربطها بالهواتف الذكية لعرض الصور والقراءات فور حدوثها. يقول المؤيدون لمواكبة التكنولوجيا في أدوات مباشرة الطب إن هذه الأجهزة سهلة الاستخدام مثل السماعات وتسمح للأطباء بمراقبة الجسم مباشرة للتفطن إلى المشكلات. وقال توبول “لا يوجد سبب يدعونا إلى الاكتفاء بسماع الأصوات ما دمنا تستطيع رؤية كل شيء”. وطرحت شركة بترفلاي نتوورك، التي يقع مقرها بغيلفورد في كونيتيكت، جهاز بترفلاي أي كيو خلال السنة المنقضية. وسيتضمن التحديث تقنيات الذكاء الاصطناعي لمساعدة المستخدمين على وضع المسبار وتفسير الصور. يتعلم الطلاب في كلية الطب بإنديانابوليس، وهي واحدة من أكبر المدارس في الولايات المتحدة الأميركية، استخدام السماعة. لكنهم يتدربون على الأجهزة الأحدث المحمولة باليد في برنامج أطلقه العميد التنفيذي، بول والاش، في 2018. وقد ابتكر والاش برنامجا مماثلا قبل خمس سنوات في كلية الطب بجورجيا. ويتوقع أن تصبح أجهزة الموجات فوق الصوتية المحمولة باليد جزءا من الفحص البدني الروتيني خلال العقد القادم. وقال والاش إن الأجهزة تطور “قدرتنا على إلقاء نظرة خاطفة تحت الجلد وداخل الجسم”. لكنه أضاف أنه غير مستعد للإعلان عن موت السماعة مثل البعض من زملائه. لا تشبه السماعات الحديثة السماعة الأصلية التي اخترعها الفرنسي رينيه لينيك في أوائل القرن التاسع عشر، ولكنها تعمل بنفس الطريقة. استخدم لينيك أنبوبا مجوفا من الخشب، يكاد طوله يبلغ القدم، مما سهّل عليه سماع أصوات القلب والرئة دون وضع أذنه على صدر المريض. ثم تطور ابتكاره وأدخلت عليه الأنابيب المطاطية والأجزاء التي تثبت في الأذن والمرفق المعدني البارد الذي يوضع على الصدر، مما ساعد على تضخيم الأصوات. عند ضغط السماعة على الجسم، تهز الموجات الصوتية الجزء المعدني من الجهاز، ثم تتضخم مع انتقالها عبر الأنبوب إلى أذن الطبيب. عادة ما تكون تكلفة السماعات التقليدية أقل من 200 دولار، مما يجعلها أرخص من الأجهزة الأحدث التي يصل سعرها إلى الآلاف من الدولارات. لكن، تتراوح القدرة على التقاط أصوات الجسم وتفسيرها من شخص إلى آخر وتتطلب أذنا حساسة ومدربة. مع التقدم الطبي والأجهزة المتنافسة التي انتشرت على مدى العقود القليلة الماضية، قال أخصائي القلب في شيكاغو، جيمس توماس، “أظهرت بعض الدراسات الحديثة أن الخريجين في الطب الباطني وطب الطوارئ قد يغفلون عن أكثر من نصف الأصوات عند استخدام سماعة الطبيب التقليدية”. يعمل توماس في مستشفى نورث ويسترن ميموريال الذي يشارك في اختبار التكنولوجيا الجديدة وهي السماعات الذكية إيكو، في بيركلي بكاليفورنيا. لتحسين فرص التفطن إلى الأصوات الناتجة عن القلب، تعمل إيكو على تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تعتمدها أجهزتها باستخدام الآلاف من التسجيلات المسجلة من القلب. وتشكّل الأجهزة رسالة على الشاشة لتخبر الطبيب عمّا إذا كانت أصوات القلب طبيعية أم لا. كان دينيس كالينان، وهو موظف متقاعد من مدينة شيكاغو ومصاب بمرض في القلب، من بين المشاركين في الدراسة. مع بلوغه سن السبعين، أعلن أنه يألف التشخيص بالسماعة لكنه لا يشعر بالحنين لهذا الجهاز التقليدي. وقال كالينان “إذا مكّنتنا التكنولوجيا من قراءة أفضل، فسيكون هذا الأمر رائعا”.
مشاركة :