الخارجُ من زقاقِ المُحرّقِ الضيقة من جزيرةِ الحبِ والألفة المُستبَدةحاملا معه أحلامَ الفراشاتِ والأيائل الظامئ للنور دائمًا وأبدًاجاءنا ويديه تلامس السماء البعيدةانه قاسم حداد، صاحب «البشارة» وأية بشارة يزفها لنا بعد هذا العمر الطويل. خرج ليحفر الحرف في الجبال والبحار والآفاق، وينقشُ الإبداع في سماءِ بحريننا ووطننا العربي الواسع دون تعب أو تراجع رغم الأشواك والنار. ربما أتعبهُ طريق الحلم حينما وجد أن هناك مبالغة كبيرة في توصيف حلمه، فحّول حروفه إلى حلمٍ يتوهّج في الفضاءات، إلى خيول تنطلق في الجبال والسهول والأقاصي المستحيلة، حاملاً معه شعلة الحب والإبداع، وعلى ظهره تجربته الثقيلة والممتعة في آن واحد. خمسون عامًا وهو ينحتُ الحرف في القلب والروح، خمسون عامًا وهو يضع بين ايدينا منشوراته الكثيرة والكبيرة، يشاركنا كوابيسه وتهويماته وجمال روحه الخارجة من تنورٍ عميق ومن براكين تحوَلت إلى أرمدة ودخان. أدهشنا هذا الشاعر بعوالمه وفضاءاته الحافلة بالغرابة والدهشة، بالموت والحياة والخلود والتيه والاغتراب. ادهشتنا تجربته المصاحبة للتجريب الدائم ليعطي الحرف ألقه، والصورة المختلفة وهجها فهل أكمل قاسم مشروعه الإبداعي؟ ربما نعم وربما لا بالنسبة إليه، ولكننا ننتظر منه المزيد فقد تعودنا على حرفه الطائر المختلف!كان خبرًا مفرحًا جدًا - ولم يكن غريبًا - ان يتوّج قاسم حداد، هذا الشاعر الكبير بجائزة ملتقى القاهرة الدولي الخامس للشعر العربي لعام 2020 ليخلف نخبة من كبار الشعراء العرب الذين حصدوا هذه الجائزة وهم محمد إبرهيم أبو سنة عام 2016, وعبدالعزيز المقالح عام 2013, وأحمد عبدالمعطي حجازي عام 2009 ومحمود درويش عام 2007. لله درك يا رجل، كم افرحنا توهجك الذي اضاء فضاءاتنا العطشى وقلوبنا!وفي تعليقه على فوز قاسم بهذه الجائزة، قال الناقد المصري جابر عصفور رئيس لجنة تحكيم الجائزة: «ارتأت اللجنة أن ثمة تجربة شعرية متنوعة امتدت لنحو نصف قرن ومازالت في أوج تألقها، وتنوعت بين الشعر الغنائي والشعر الدرامي، وبين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وخاضت مغامرات متنوعة في تشكيل الشعر واغنائه بالمرويات الشعبية، وامتد تأثيرها في الأجيال التالية. وفي هذه التجربة نجد لغة شعرية متميزة ورؤية متوهجة عميقة للإنسان، خصوصا الإنسان العربي في مجالدته للحياة وأشواقه للحرية والسلام، ولهذا كله قررت اللجنة بإجماع الآراء منح الجائزة للشاعر الكبير قاسم حداد». نعم، تجربة قاسم الممتدة عبر خمسين سنة أسهمت بالفعل في توسيع فضاءات التجربة الإبداعية في الجزيرة العربية والخليج العربي ولا سيما في اذابة حدود المراكز الثقافية التي اقتصرت في الماضي على القاهرة وبيروت وبغداد ودول المغرب العربي. ومن الجدير بالذكر أن الوزيرة الدكتورة ايناس عبدالدايم قد قررت رفع قيمة جائزة الشعر العربي من 100 ألف جنيه إلى 200 ألف جنيه. وقد مُنحت الجائزة لقاسم حداد بحضور نحو 100 شاعر وناقد فى ملتقى الشعر الدولي الذي اقيمت فعالياته في المجلس الأعلى للثقافة خلال الفترة من 13 إلى 16 يناير حيث أقيمت أمسيات شعرية ونقاشات نقدية وموائد مستديرة. وفي لقاء معه مع جريدة «اليوم السابع» المصرية قال «حداد»: «الشعر العربي الآن بمواهبه الجديدة وتجاربه يحاول أن يتحرر من القيود الكثيرة التي ورثها من التقليد ومن التراث المقدس وبعناصر من التراث الجمالي في اللغة، وهذا الشعر برغبته فى التحرر يفعل ذلك بصعوبة لأن التحرر من القيود الاجتماعية والإنسانية يتعرض للخلخلة بسبب أن الشعر يكسر القالب، بهذا المعنى أظن أن الشاعر العربي بحاجة ماسة لدعمه في رغبة التحرر، دعمه بمنح الأمان، بمنح الحرية، فجزء من جيل الستينيات حتى الآن يسهم فى هذه المحاولات، فنحن جيل واسع يسعى إلى حرية التعبير». وعن تجربته الشعرية الطويلة قال قاسم «أنا جزء من جيل، لا أفهم كيف أتحدث عن تجربتي، ولكني أحاول أن أعبر عن نفسي وعن أفكاري بشكل حر وبشكل جميل، فهذان شرطان لا بد من توافرهما في الكتابة الأدبية، الحرية والجمال، وهذا المعنى يستدعى من جيلي أن يتشبث بهذه الحرية، فمهما تقلصت الحريات العامة يظل الكاتب هو وقلمه يستطيع أن يحقق ذاته دون أوهام كبرى بالتغيير لأن هناك سلطات كثيرة تعوق التغيير، لكن الشاعر بأحلامه وبتشبثه بمخيلته وبقدرته على الجرأة يستطيع أن يساعد القارئ على اكتشاف العوالم الجديدة والمستقبل». انها ليست تكريمًا لقاسم حداد فحسب بل للبحرين وللخليج العربي ولنا جميعًا عشاق الحرف والكتابة. قاسم شعلةٌ تستحق الإحتفاء والتقدير!Alqaed2@gmail.com
مشاركة :