الشاعرُ الذي أضاءَ الظلمة حقًا إنني أعيشُ في زمنٍ أسود الكلمةُ الطيبةُ لا تجدُ من يسمعها والجبهةُ الصافيةُ تفضح الخِيانة والذي ما زالَ يضحكُ لم يسمعْ بعدُ بالنبأ الرهيب أي زمنٍ هذا؟ الحديث عن الأشجار يوشك أن يكون جريمة لأنه يعني الصمت على جرائم أشد هولاً عندما تتوجّه إلى برلين في ألمانيا، تجد وسط الساحة تمثالاً كبيرًا لرجل عظيم يطل بهيبة ووقار على الساحة، انه تمثال بيرتولت بريخت (او بريشت كما يلفظه البعض) الذي وُلد في ألمانيا عام 1898م. بريخت هو أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في المسرح العالمي التي تجاوزت شهرته حدود ألمانيا لتصل إلى كافة أنحاء العالم، حتى قيل بأن أغلب الحركات المسرحية الحديثة خرجت من تحت عباءته. اعتمد بريخت على اطلاق مؤثراته الخاصة «المؤثرات البريختية» مثل إعلان المؤلف الضمني عن خيالية العمل المسرحي، والثورة على الأنماط السائدة في المسرح مثل العمل على الاختلاط بين الممثلين والمتفرجين، وبروز الراوي وتنوع وتعدّد الشخصيات والمشاهد وسرعة تحولها وتطبيق تقنية المسرحية داخل المسرحية، وكشف سر اللعبة المسرحية أمام الجمهور، إضافة إلى خروج بعض الشخصيات من أدوارها مثل الحوار بين المؤلف والمخرج، أو المخرج بوصفه راوٍ مع الجمهور. كان بريخت أيضا شاعرًا ويؤمن بأنه سوف يشتهر ليكون في المرتبة الثانية بعد الشاعر الألماني غوتة، وهذا ما حدث بالفعل، حتى أطلق عليه البعض «الشاعر الذي اضاء الظلمة». وقد انتشر بريخت في العالم العربي كمسرحي يساري، وكشاعر يساري. كان شاعرًا يستبد به الحزن على ما آلت عليه الأمور فقد عاصر الحرب العالمية الأولى، عندما استدعي للتجنيد حيث خدم في مستشفيات الجيش ليعايش أهوالاً لا يمكن تصورها وخاصة بالنسبة إليهذا الشاعر الرومانسي الذي هو كله شعر وأحاسيس. ومن هذه التجربة المريرة انبثق رفضه الكلي لكل الحروب والدماء وقد عبّر عن ذلك في قصيدته المشهورة «إلى الأجيال المقبلة» حيث قال: أنتم يا من ستعقبونَ الطُوفان الذي غَمرنا حَينما تتحدثونَ عن إخفاقاتنا تذكّروا كذلك الزمنَ الحالك الذي أفلتم منه فقد مَضينا نبدّل بلدًا ببلد أكثر مما نبدّلُ حذاءً بحذاءْ كان بريخت من ضحايا المكارثية في عام 1947 عندما كان مقيمًا في الولايات المتحدة فاضطر إلى العودة إلى ألمانيا الغربية لكنهم لم يسمحوا له بالدخول فتوجّه إلى ألمانيا الشرقية ليؤسس أكبر وأشهر مسرح “برلينر أنسامبل” في العاصمة برلين. توفى بريخت في 14 أغسطس 1956 عن عمر يناهز 58 عاما تاركًا خلفه إرثًا مسرحيًا غنيًا ما زال حيًا حتى يومنا هذا. Alqaed2@gmail.com
مشاركة :