كان السيد المسيح يُعَلّم الجموع فى الموعظة على الجبل قائلاً لهم: «لماذا تنظر القذى الذى فى عين أخيك، وأما الخشبة التى فى عينك فلا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك: دعنى أُخرج القذى من عينك، وها الخشبة فى عينك؟» (متى 3:7-4). للأسف قلّما ننظر إلى الغير نظرتنا لأنفسنا، فجميعُنا يظن أنه بلا عيب، لذا فعلينا أن نحتمل بعضنا بعضاً ونتعاون معاً لإصلاح أنفسنا قبل غيرنا. ما لا نستطيع أن نُصلحه فى ذواتنا أو فى الآخرين، علينا أن نتركه فى يد الله تعالى الذى يستطيع أن يحوّل الشرَّ خيراً. إذاً لا أحد يستطيع أن يدين غيره أبداً. لأن مَن يدين الآخرين يتعب ذاته باطلاُ، كما أنه يضل الطريق، وسرعان ما يخطئ. لكن الذى يفحص ضميره ويدين نفسه على أعماله السيئة، سينهض ويجنى ثماراً عظيمة. والذى يُحزننا هو حكمنا على الأشخاص بحسب مزاجنا الشخصى وميولنا المتقلّبة، ولذلك نحيد عن الطريق الصحيح والحكم الصائب. فإذا كان كلُ واحدٍ منّا عاجزاً على تغيير نفسه إلى الأفضل كما يريد، فكيف يستطيع أن يبدّل الناس إلى الحالة التى ترضيه؟ وكم هو مؤلم ومُخزٍ عندما نجد الكثيرين الذين يحزنون عندما يعفو الله عن زلات الغير، فى حين أنهم لا يقبلون أن يُرفَض لهم طلب. ولماذا ننزعج عندما ينتقدنا البعض؟ إذاً علينا ألا نضطرب من أحكام الناس، ولا نفقد سلامنا الداخلى بسبب ما يخرج من أفواهم. ولماذا تضطرب قلوبُنا إن ظنَّ بعض الناس بنا سوءاً وقالوا عنّا مالا يُرضينا؟ لماذا نتأثر بكلام يطير فى مهبﱢ الريح؟ فمهما قالوا عنّا خيراً أم شراً، فلن نكون غير ما نحن عليه. إذاً علينا أن نتكل على الله تعالى ولا نخاف من أحكام الناس. هل ينتصر أحدٌ علينا بكلامه أو إهانته لنا؟ مَنْ يفعل ذلك يؤذى نفسه أولاً، أما نحن فنثق فى الله فاحص القلوب والكُلَى والأفكار. قالوا لأفلاطون: «لقد سمعنا فلاناً وفلاناً يمدحونك!» فأجاب متألماً: «ماذا فعلتُ من الشر والحماقة، حتى يرضى عنى هؤلاء الجهلة؟!» لأن المديح الحقيقى يأتى من أصحاب النفوس الكريمة لخير قمنا به، أو بهدف تشجيعنا على الاستمرار فى الفضيلة وحُب الخير والتمسّك بالأخلاق الحميدة. وكما يقول المثل: «مَنْ مدحك بما ليس فيك، فقد ذمّك». لأنه يُظهر ما قصّرنا فى أدائه ويجذب الأنظار إليه لنصبح محل سخرية ونقد من الآخرين لعدم تحلينا هذه الصفات الحميدة التى مدحنا بها. وضعاف الشخصية يبحثون عن مَواطن الضعف فى حياة الآخرين، ليجدوا فيها ما يعزّيهم، ويخدّر ضميرهم ويتلمّس لهم الأعذار أمام الآخرين والمجتمع بأكمله. مَنْ منّا بدون نقائص أو عيوب؟! لكن البعض يعميه الكبرياء ويظن نفسه أنه أكثر الناس كمالاً واستقامة، ولذا يقع فريسة لسخرية الناس الذين يتهامسون عليه ويجعلونه أضحوكة لهم. لأننا إن أهملنا النقائص الموجودة فينا، شوّهت معالم شخصيتنا، ونفّرت الناس منّا حتى يصل بهم الحال إلى احتقارنا. لذلك يجب علينا أن نتخلّص من عيوبنا ونقائصنا، ولا نستهين بها أو نهملها. فإذا استصغرنا شأنها ورفضنا تجنّبها وإصلاحها، تكررت، حتى تتفشّى فى حياتنا وتشوّه معالم شخصيتنا. ومما لا شك فيه أن أى مجتمع لا يخلو من الشخص النمّام الحقود الذى ينشغل عن عيوبه بالكشف عن نقائص الآخرين والذى يؤذيه رؤية الخير فى الآخرين باحثاً يميناً ويساراً عمّا يُعيبهم من ضعفات لينشرها ويروّج الأكاذيب بهدف تشويه صورتهم الحقيقية. إن أحاديثه لا معنى لها ولكن مغزاها هو انتقاد هذا والسخرية من ذاك. وكل مَن هو ضعيف الشخصية أو قليل الثقة فى نفسه هو الذى يهتم بكلام الناس. أما الشخص المستقيم العاقل الحكيم فلا يهتم إلا برضى الله وما يمليه عليه ضميره للقيام بواجبه نحو المجتمع والآخرين. لذلك يجب ألا نتأثر أو نهتم بذم الحاقدين، لأن ذمّهم ونقدهم، شهادة حق لنا بأننا لا نسير على نهجهم ولا نتصرف حسب أعمالهم. والإنسان الحقود ينتقد كل فضيلة، لأنه عاجز عن عمل الخير أو التحلّى بالفضائل، فسلاحه الوحيد هو ذم الآخرين أو السخرية منهم، حتى ييأسوا ويملّوا ويسيروا فى الشر على مثاله. كما أن الشخص النمّام يكون كل حين كاذباً فى نقل الكلام، لأن هدفه الأول والأخير زرع الخصام والكراهية والحقد والتفريق بين القلوب. ونختم بقول الشاعر: «إن يعلموا الخير أخفوه، وإن علموا شراً أذاعوه، وإن لم يعلموا، كذبوا».
مشاركة :