يمكننا تفسير تاريخ منطقتنا( الشرق الأوسط)الى حدًا كبير بأنه تاريخ الثورة المضادة ضد المجتمع وتكويناته أي ضد العناصر الباقيةخارج نظام المدينة المركزية(نظام الهيمنة والتحكم والاستغلال ) وهم المرأة، الشباب،مجتمع الزراعة_القرية، القبائل والعشائر ، أصحاب المذاهب والطرائق. وهم من يراد استعبادهم من النظام المهيمن أي الذين لديهم مصلحة و رغبة بالتغيير والحرية. قد يكون نظام المدينة المركزية أو الهيمنة ثورة بالنسبة لمتزعميها ولقواها المصلحية والمنفعية لكنها تكون دمار وثورة مضادة لغيرهم. على سبيل المثال لا الحصر كانت الإمبراطوية العثمانية وحاليًا التمدد العثماني لم يكن إلا دمارًا وقتلًا لشعوب المنطقة سواءً العربية أوالكردية وغيرهم في سوريا أو العراق وليبيا. ونستطيع القول أن الثورة هي اكتساب المجتمع لبنيته ولماهيته الأخلاقية والسياسية والديمقراطية من جديد وبمستوى أرقى وأجمل من ذي قبل. بعدما ضيّقَ مساحته وأُعِيقَ تطبيقه من قبل نظام الهيمنة وتوابعه المحلية والإقليمية . وما نقصده بالأخلاق هنا هو التقاليد المعيارية المتشكلة من التكامل لوحدة المواقف والسلوكيات التي سلكها أي مجتمع للاستمرار في تدفق الحياة وفق جغرافيته وتاريخه وثقافته. وما نعنيه بالسياسة هي جملة القرارات المتخذة بشأن القضايا الحياتية و اليومية الذي يواجه المجتمع. بمعنى الأخلاق تعرض الإطار للسياسة على الصعيد التقليدي والسياسة تقوم بتوسيع وتعميق هذا الاطار من خلال قراراتها الجديدة واجراءاتها التي تؤدي وظائفها . أما وظيفة الديمقراطية فهي قوة تعبيرية وتنظيمية للمجتمع برمته وليس لقسم أو طبقة منه .وأي مجتمع بلا سياسة وديمقراطية يكون أداة عاجزة عن التعبير عن نفسها ومسخّرة لخدمة الاخرين. يقال أن الثورة بالنسبة للبرجوازي هو المجتمع الليبرالي و بالنسبة للإسلامي هو المجتمع الإسلامي وبالنسبة للماركسي هوالمجتمع الأشتراكي وفي الحقيقة هذا التسميات هي مجرد محض تسميات وترتيب الفاظ وليس هناك هكذا مجتمعات أو ثورات. والمجتمعات لاتغير نوعيتها بمجرد إطلاق والصاق الهويات الايدولوجية بها. فلم يكن هناك فرق بين الإنسان في الاتحاد السوفيتي والاتحاد الأوربي، كما أنه لايوجد فرق ذات تأثير كبير على الحياة بين مسيحي ومسلم. والأمثلة كثيرة في مجتمعات ودول الشرق الأوسط فمن كان شيوعيًا او يساريًا تجده بعد ليلة وضحاها اصبح من الإسلام السياسي ومن كان اشتراكيًا تجده اصبح ليبراليًا ومن كان امميًا أصبح شوفينيًا بل اكثر من ذالك حتى المظلم اصبحت يسبح بحمد الظالم بعد أن ترك مجتمعه وشعبه وركض وراء غاياته. ونستطيع تميز نوعية و حقيقة المجتمعات بمنوال جذري وواقعي بمصطلحات الأخلاق والسياسة والديمقراطيةوالظواهر التي تعكسها والمجتمعات الأكثر أخلاقًا وسياسةً وديمقراطيةً هي المجتمعات التي تتحقق فيها الحرية والمساواة. ولدى صياغة تفسير واقعي لمجتمعاتنا فلن نجد صعوبة في تحديد وتشخيص الماهيات الأخلاقية والسياسية والديمقراطية للثورة التي يجب انجازها .حيث يمكننا الأدراك بسهولة أن كل الأيدولوجيات التقليدية والحداثوية الاستشراقية(القوموية,اليسارية,الليبرالية,الإسلام السياسي) جعلت الأوضاع أكثر إشكالية و تقزمًا وتفكيكًا للمجتمع. قضية المجتمع الاساسية هي في اكتساب تلك الماهيات والوظائف العضوية ولدى اعادة تموضع قضية الثورة تأسيسًا على ذالك يمكننا تحديد المنهج السياسي والتموضعات الاستراتيجية والتكتيكية والخطوات العملية بموجب ذالك . وهذا نمط من مفهوم الثورة يختلف عن المقاربات الإسلامية أو الاشتراكية أو القوموية. ذالك أن تلك المقاربات لاتختلف في نهاية المطاف عن الإنتهاء الى دولة قومية تابعة وعملية ضمن نظام الحداثة الرأسمالية(نظام الهيمنةالحالي) ذالك النظام الذي أصبح أداة تضخيم القضايا ونشرها داخل المجتمع وليس حلها و حال شعوبنا ومجتمعاتنا في الشرق الاوسط في السنوات الأخيرة تجسد ذالك. وبذالك نرى كلما قطعت الثورة اشواطًا ملحوظة في ممارسات الميادين الأخلاقية والسياسية والديمقراطية ابتعدت عن نظام الهيمنة والدولتية وتبدأ في التطور من خلال تجسيد المجتمعية في الإرادة والتعبير عنها. كما يجدر الإشارة الى نقطتين في قضية الثورة: 1-نمط الحياة والممارسة الفعلية: كلما زاد الفرق وتجذير التمييز بين النظرية والاجراءات الفعلية أدى الى ممارسات خاطئة وتكرار السابق السيئ. ويجدر المعرفة جيدًا أنه لايوجد أنماط حياة قبل الثورة وبعدها وخاصة للثوري فالتحوال الى إنسان عملي يتم بالتوازي مع الفهم والتعبئة النظرية ولا تطلق صفة الثوري الا على من يترجم المزايا الأخلاقية والسياسية والديمقراطية الى قول وفعل في الحياة اليومية والمقاربات للأمور . أما من أخذ الثورة مطية للغنى وفرصة للتدخل والتوحش والارتزاق كمثل كثير من الأشخاص والأحزاب والجماعات كتنظيم الأخوان المسلمين ومرشدهم الفعلي أردوغان في السنوات الأخيرة و ثوار ما يسمى "الائتلاف الوطني السوري" في سوريا الذين أصبحوا مرتزقة للعثمانية الجديدة وسلاحهم تحت الطلب والدفع فهم ليسلهم علاقة بالثورات . 2_لايوجد فرصة للنجاح الدائم في أي شكل من أشكال الدفاع الذاتي والمقاومة، مالم يتم توحيدها مع عمليات بناء المجتمع الأخلاقي والسياسي والديمقراطي. فكيفما أن قضايا المجتمع تتميز بالتكامل والكلياتية فمن الضروريكذالك للثورة والثوري أن يحيى ويطبق المنهاج السياسي والاستراتيجية و المخطط التكتيكي بشكل متداخل ومتكامل فالحياة كل متكامل ضمن تدفقه وجريانه وعلينا عدم الاعتقاد بعيشه بشكل منفصل ومتقطع. وإن كنا نريد أن نستخلص العبر من الأمثلة التاريخية علينا معرفة أن العظماء أمثال زرادشت وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصوات والسلام أمثلة ناجحة في هذا الصدد .فهذه الامثلة تخبر كيف كانت الثورات والثوار في مناطقنا وداخل مجتمعاتنا وكيف كانوا سريعي الوتيرة ومتكاملين ومبدئيين وعمليين وكيفأنهم غيروا مجرى وقدر التاريخ. لا يمكن للثورات في مناطقتنا أن تحرز النجاح بالقوالب التي اوجدها نظم الهيمنة بل أن تلك القوالب لايحقق غير الفوضى والاضطرابات التي تخدم الهيمنة.بل يفضل تتناغم مع ما يناسب قيمها التاريخية ومع الالتحام مع المعرفة والعلم المعاصر ومع تحقيق الوحدة بين عقل الأنسان وروحه وقلبه.
مشاركة :