أحمد شيخو يكتب: التوازن بين التكنولوجيا والأيكولوجيا

  • 9/6/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

التكنولوجيا هي طريقة التفكير وحل المشكلات، وهي نهج للعمل الذي يوصل الفرد إلى النتائج المطلوبة وفي أسرع وقت وأقل تكلفة، أي أنها وسيلة مفيدة وليست نتيجة، وإنها طريقة التفكير في استخدام المعارف والمعلومات والمهارات بهدف الوصول إلى نتائج لتأمين حاجات الإنسان وزيادة قدراته. ويمكننا القول أنها تعبير عن تراكم معارف الإنسان ومهاراته في العيش و الحياة. بالرغم من تعدد مجالات استخدامه من الاتصالات والإعلام، التعليم، التجارة الإلكترونية، المجال الإداري، الصحة والطب، الإعلام والثقافة، الترفيه، الصناعة والمجال العسكري والأمني والاستخباراتي، لكن من المهم البحث في إستخدامها كأداة ووسيلة للهيمنة من قبل مختلف الأنظمة والسلطات التي وجدت فيها ضالتها لتحقيق مآربها في السيطرة والتحكم. وكذلك من الأهمية معرفتها وقابلية استخدامها كوسيلة من وسائل الدفاع عن النفس من قبل المجتمعات والشعوب وحتى الدول التي تتعرض للهجمات بمختلف أنواعها. لكن من المعلوم أننا ونحن في القرن الواحد والعشرين وفي العالم الإفتراضي المتوفر عبر الإنترنت يبقى الحصول على المعلومة الدقيقة والصحيحة وكذالك على التقنية أو التكنولوجيا المطلوبة محصورة بقرار مراكز الهيمنة في العالم،  كونها أصبحت من أساسيات الهيمنة العالمية في أغلب المجالات وإستمرارها في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالنظام العالمي  من الأزمة الصحية مثل كورونا إلى الأزمات المالية والإقتصادية وإلى أزمتها البنيوية. بعد صلح ستلفاليا 1648 مرورًا بظهور البروتستانتية  وكذلك من  بعد أحداث القرن الثامن عشر والثورة الصناعية وحصول  خطوات متقدمة في مجال التعدين و التصنيع و الإستفادة من المواد الأولية، وكذلك بعد الثورة الفرنسية والتطورات في هولندا وبريطانيا، حيث تصاعدت الطبقات البرجوازية الإنتهازية وتسلطت على مراكز القرار في دول  عديدة وكبر نهمها ورغبتها في تحقيق الربح الأعظمي والحصول على المال فقط دون أي إعتبار للمعاير الإنسانية والأخلاقية وكذلك دون أي احترام لقوانين الطبيعة. فأخرجت هذه الطبقات الثورات الأوروبية حينها من جوهرها وأهدافها الأساسية في العدل والمساواة والديمقراطية وقدمت نموذج الحرية الليبرالية الفردية و السلطة الذكورية و الدولة القومية لحصر وسائل القوة بيديها ولأحتكارها  ولأبقاء الحروب والتناقضات وبؤر التوتر بين الشعوب لتحقيق غايتها  في السرقة والنهب والاستغلال لتحقيق الربح الأعظمي. وهنا حصلت الضربة الكبرى التعدي على الطبيعية وممارسة الهيمنة عليها والنظر لها وحتى للمجتمعات والشعوب والمرأة بمقدار خدمتهم وعملهم كالعبيد لتحقيق مصالح الطبقات الأساسية في مراكز قوى الهيمنة العالمية والإقليمية. عندها أصبح ظهور الأمراض والمصائب و الأنانية من سمات هذا النظام العالمي ولعل التلوث بكافة أنواعه من البيئي حتى البصري ونقص الأوكسجين وزيادة درجات الحرارة وذوبان الجليد والفياضات التي تحصل في السنين الأخيرة وكذلك حالات الجفاف ونقص المياه والتصحر وحتى الزلازل التي تحصل نتيجة تجاوز الإنسان على بعض المناطق في الطبيعة . مع كل هذا تم ظهور الحركات البيئية وكذلك الفامينية  في بعض المناطق لرفض هذه العقلية التي تتعامل مع الإنسان والمجتمعات والمرأة والطبيعة كأشياء وموضوعات ليس لها ذوات فاعلة.  ومازال الأقتصاد يشكل حتى اليوم عصب الحياة وروح المجتمعية ومكان المرأة الطبيعي. وكذلك يتم استخدامه كأحد مرتكزات نظم الهيمنة والتسلط على شعوب ودول المنطقة ، لكن من الأفضل إعادة الإعتبار للإقتصاد وبنائها كوحدات اقتصادية أيكولوجيا كبنى أساسية للنهوض والتغيير، وعدم التفكير  بها  أنها وحدات بسيطة ومفتقرة، و بالمقدورِ استخدام أرقى وأعقدِ أنواعِ التكنولوجيا في الوحداتِ والاتحاداتِ الأقتصادية وبذلك يبقى هذه الوحدات ميادين الأستخدام الإجتماعي الأمثل للتكنولوجيا.   فالتكنولوجيةُ في مجتمعات المنطقة ضرورية بالأكثر من أجلِ المجتمعِ الأيكولوجي . واستخدام التكنولوجية بهذا المعنى هي ثورة مضادة للصناعوية(إستخدام الصناعة والتكنولوجيا ضد المجتمعات لتحقيق الهيمنة) وإستخدامها لتمكين نظم الاستغلال والهيمنة. فبينما تؤدي التكنولوجيا المسخّرة في خدمة الصناعوية إلى العبودية والدمار، فالتكنولوجيا المُعتمدة في خدمةِ المجتمعِ الاقتصاديِّ والأيكولوجيِّ تُفضي إلى حياةٍ أكثر حرية وعدالة وديمقرا طية.  وبإختصار، فأَثمن معاني التوازنِ بين التكنولوجيا والأيكولوجيا، تحقِّقها  المشاريع المجتمعية (التي تتبنى العيش المشترك وأخوة الشعوب  والتكامل الثقافي)  البديلة لنظم الهيمنة . ولأجل ذلك، فالصراعُ الأيديولوجي أمر لا غنى عنه في الصراعِ بين الحداثات(نمط الحياة) المختلفة. ومن دونِ خوضِ هذا الصراعِ بنجاحٍ بارز، سوف تَظَلُّ فرصةُ المشاريع المجتمعية ومنها العصرانية الديمقرطيةِ في الحياةِ وثُبوتُها ورسوخُها تجاه الحداثةِ الرأسماليةِ مجردَ احتمالٍ ضعيفٍ وأملٍ واهنٍ .  من الصعب إنكار عيش حرب عالمية ثالثة خاصة في حاضرنا ومنطقتنا ( الشرق الأوسط وشمال أفريقيا). وهذه الحرب أعمق نطاقًا وأطول زمنًا من الحربين العالميتين الأولى والثانية وهي أكثر تسربًا وتغلغلًا في مسامات المجتمعات وخلايا الإنسان وميادين الحياة.  ومن الأهمية معرفة أنه لا تتواجد ولا تتشكل الطاقة الكامنة للنظم في المنطقة لتحديث نفسه. وما يجري هو الانحلال والتفسخ والتبعثر وإنتاج الأزمات. من هنا، فأقوى احتمالاتِ النفاذِ والخلاصِ تتجسدُ في تصييرِ العصرا نيةِ الديمقراطيةِ نفسَها أطروحةً أولًا ثم توجُّهها وضغطِها على النظام كأطروحةٍ مضادة؛ حيث أنها تعمل أساسًا بموجب جميعِ التراكمات الثقافية المقموعة في ظلّ هذه الظروفِ في غضونِ الحقبة البادئة من تصاعدِ المدنية السومرية كأطروحة مضادة للعصرِ النيوليتيّ، وصولًا إلى الحداثةِ الحالية الرأسمالية الليبرالية. والأن المجتمعات ملزمة بالحراك ثانية ضمن التدفق التاريخي وبصيغة "الأطروحة والأطروحة المضادة والتركيب أو الجمعية" إن حياةُ المجتمعِ الأيكولوجيِّ والاقتصاديّ هو الذي غَذّى المجتمعَ والثقافةَ الماديةَ والمعنويةَ في جغرافيا الشرقِ الأوسطِ ابتداءًا من العصرِ النيوليتيِّ وعلى طولِ عصورِ المدنيةِ برمتها. بينما قامت  نظم  الهيمنة وآخرها الحداثةُ الرسمالية( نظام الهيمن الحالي)، ومن خلالِ مرتكزاتها الثلاثة أي الرأسمالية والصناعوية والدولتية القومية، بدَهسِ هذه الثقافةِ الاجتماعيةِ وطَعنِها وتَجزيئِها. مقابل ذلك، فالمهمّة الأوليةُ التي يجب القيام بها هي إنشاءُ العصرانيةِ الديمقراطيةِ تأسيسًا على دعائمِها الثلاث: المجتمع الديمقراطي _السياسي، الأيكولوجي_الأقتصادي الأخلاقي_الأشتراكي، متكاملة مرتكزة إلى إرثِ الثقافاتِ التي تشاطرَت أودية الأنهار الخالدة( دجلة والفرات والنيل)، والتي ظلَّت تحيا ككلّيّاتية متكاملة على مدار التاريخ. فالحقيقة التي لا تحتمل الجدل هي أنّ الحدودَ الاصطناعيةَ المسماةَ اليوم بحدودِ الدول التي تشكلت بعد الحرب العالمية الأولى، هي إر ث متبقٍّ من الهيمنةِ الإنكليزية والفرنسية التي خَرَجت منتصرةً من الحربِ ، وبالتالي أنّ تَجزّؤ الثقافةِ التاريخيةِ الاجتماعيةِ تأسيسًا على ذلك هو من ضروارتِ سياسةِ الجيوستراتيجية "فرق_ تسد" التي طبقت على شعوب ومجتمعات المنطقة. لذا، يستحيلُ تجاوز الأزمات في المنطقة وإنشاء الاتحاداتِ الثقافيةِ الثمينةِ في الهلالِ الخصيبِ التاريخيّ وكذلك في مجمل المنطقة، ما لم يدرك زيف هذه الحدود بعمقٍ وبكافةِ نتائجِه. والحماقةُ الكبرى هي الإيمانُ بقدسيةِ هذه الحدود الدخيلة (المشؤومة)، والأكثر بُعدًا عن التقديسِ هو خطوط وحدودُ الهيمنةِ الدخيلةِ وعدم التفكيرِ أو الشروعِ في انطلاقةٍ ثقافيةٍ كُلّيّاتية.  المَطلوب من  التكامل والكُلّيّاتيةِ الثقافيةِ هو الثقافةُ الماديةُ والمعنويةُ المنسوجةُ حول القيمِ الديمقرطيةِ المفعمةِ بالمساواةِ والحرية والعيش المشترك وأخوة الشعوب. وهكذا ثقافة ينبغي تفسيرَها وانشاءَها بعقلية قومية غيرِ قوموية، ودينية غيرِ دينَوية، ومجتمعية غيرِ جنسوية، وعلمية غير وضعية . وكذلك بتحقيق توازن بين التكنولوجيا والإيكولوجيا. حتى نتحول وتتحول مجتمعاتنا وشعوبنا وبالتالي منطقتنا من الأدوات إلى الذوات الفاعلة  وحتى تكون التكنولوجيا وسيلة استقرار ورخاء وسلام وليس وسيلة حرب وتدمير وسرقة وظلم .

مشاركة :