الهاشمي مرزوق: نحات خلّد الزعيم بورقيبة ثم ضاع في الزحام

  • 1/31/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الرئيس على صهوة حصان، صورة أرادها الحبيب بورقيبة أن تبقى راسخة في الأذهان، لتصبح رمزا يتحوّل إلى أيقونة تشير إلى نهاية عهد الاستعمار الفرنسي، وبداية عهد الاستقلال. رغم الانقسام والجدل حول إرث بورقيبة السياسي، يبقى الزعيم الراحل من أكثر الشخصيات السياسية التي يكنّ لها التونسيون التقدير والحب. وكما يتذكّر الناس في الصعاب رموزهم، يتذكر العرب من فترة لأخرى الحبيب الذي كانت أطروحاته السياسية والاجتماعية مسار جدال واختلاف. الغبن الذي لحق بالنحات الهاشمي مرزوق، لحق أيضا الحبيب بورقيبة، عندما صدر قرار برفع النصب من مكانه، بعد أن أطيح به عام 1987. ليوضع على مدخل بلدة حلق الوادي، ميناء الصيد البحري المحفور في الذاكرة الشعبية العربية، بعد أن غنى له المطرب فريد الأطرش رائعته “بساط الريح”. صار لزاما على العهد الجديد، بعد التخلص من بورقيبة منفيا في مدينة المنستير، أن يعلن عن مرحلة جديدة لا بد فيها من حجب التمثال أيضا عن عيون التونسيين، لا يكفي ترحيل الرئيس، التمثال يجب أن يرحل هو الآخر. لا نعرف من هو صاحب الفكرة في تحويل التمثال إلى ميناء حلق الوادي، ليعود التمثال من حيث أتى الزعيم ومن النقطة التي استقبله منها التونسيين. ولم تكن إعادة النصب إلى مكانه بعد 29 عاما، قرارا فنيا، بل هو قرار سياسي لزعيم آخر أخلص لبورقيبة وللإرث البورقيبي، هو الراحل الباجي قائد السبسي، وذلك خلال وجوده في قصر قرطاج رئيسا لتونس. اختار الباجي اليوم الذي أطلق عليه التونسيون “عودة النصر” في الأول من شهر يونيو 2016، ليعود بورقيبة ويتصدر المشهد التونسي ثانية. وكما بكى الهاشمي مرزوق يوم اقتلع تمثال الزعيم من مكانه، بكى أيضا، ولكن تأثرا، عندما عاد ليحتل نفس المكان. وأشرف الباجي قائد السبسي على حفل إزاحة الستار عن الحجر الرخامي الذي يؤرّخ لإعادة التمثال إلى مكانه الأصلي، وسط حشد كبير من التونسيين رفعوا الراية الوطنية وصور بورقيبة. وإلى جانب قائد السبسي وقف عدد من أفراد عائلة الزعيم الحبيب، ورئيس مجلس نواب الشعب السابق محمد الناصر، ورئيس الحكومة حينها، الحبيب الصيد. وشدّد قائد السبسي على رمزية إعادة التمثال إلى مكانه الطبيعي في شارع الحبيب بورقيبة، وأشار إليه بوصفه باني الدولة الحديثة، مؤكدا أنّ إعادة التمثال إلى مكانه ليست قضية شخصية، بل هي قضية وحدة وطنية، مشيرا إلى أن تونس اليوم في حاجة إلى وحدة صماء من أجل إخراج البلاد من الوضع التي هي عليه. رغم ذلك لم يَعُد هذا الحدث النحات الهاشمي إلى واجهة الحياة الفنية، ما أعاده هو معرض استعادي لأعمال الفنان، في صالة الكمان الأزرق. العودة التي تزامنت مع إصدار كتاب أنيق حول مسيرته الفنية باللغة الفرنسية للناقد حسين التليلي. قصة الهاشمي مع تمثال الزعيم تعود إلى بداية السبعينات، حينها طلب بورقيبة أن يكون له تمثال في حياته. ليعلن عن مسابقة فتحت للفنانين التونسيين، وكان من بينهم الهاشمي مرزوق، الذي حاز نموذجه على المركز الأول، إلاّ أن مهمة تنفيذ العمل لم تسند إليه. وحسب الهاشمي، هناك من أقنع القصر حينها، بالإعلان عن مسابقة ثانية تفتح لنحاتين أجانب، فزعيم مثل بورقيبة، يجب أن يخلّد من قبل فنان عالمي. وتمت دعوة أربعة نحاتين من فرنسا وإسبانيا ويوغوسلافيا وإنجلترا لتقديم نماذج للتمثال. رغم ذلك يقول الهاشمي إنه لم يفقد الأمل، وبتدخل من وزير الثقافة آنذاك، الشاذلي القليبي، قبلوا مشاركته إلى جانب النحاتين الأربعة الأجانب. وتم استدعاء لجنة تحكيم من خارج تونس لتقييم الأعمال. وللمرة الثانية يفوز نموذج الهاشمي. وعندما علم بورقيبة بالنتيجة، علّق قائلا “أخبرني إحساسي أن العمل لن يسند إلاّ لتونسي، لأنه جاء يشبهني إلى حدّ كبير”. وكلّف الهاشمي بتحويل صورة بورقيبة المنتصر إلى تمثال ينتصب في الشارع الرئيس الذي حمل اسم بورقيبة، وهناك بقي إلى أن وصل زين العابدين بن علي إلى السلطة، في السابع من نوفمبر عام 1987. لم يكن الهاشمي، وفق قوله، ساعيا وراء المال أو الشهرة، مؤكدا أنه الحب، ولا شيء غير الحب، وقف وراء رغبته بتنفيذ تمثال “المجاهد الأكبر”. ويضيف “أردت أن أترك للتاريخ والأجيال القادمة صورة رجل عظيم لم يكن مروره عابرا في تاريخ تونس الحديثة”. ويؤكد الفنان أن شخصية بورقيبة، سواء كانت بالملامح أو الحركات أو الكلمات، تمتلك كل الإغراءات لإنجازها في عمل فني. وكانت زيارات الزعيم لمشغل النحات في منطقة “العوينة” بتونس العاصمة تدوم ساعات طويلة تتخللها مناقشات فنية، تنم عن خلفية ثقافية عالية لبورقيبة. اسم الفنان الهاشمي ارتبط أيضا بأيام قرطاج السينمائية، فهو من قام بتصميم الجائزة على مدى أكثر من 20 عاما، ليقرّر القائمون على المهرجان التخلّي عن خدماته في الأعوام الأخيرة. ويقول الهاشمي إنه لجأ إلى القضاء ليدافع عن حق الملكية، فلم يحصل سوى على اعتذار شفوي من مدير المهرجان. وأشار مرزوق إلى أن الأمر نفسه تكرّر مع مهرجان أيام قرطاج الموسيقية وأيام قرطاج المسرحية. ويأمل الهاشمي مرزوق من خلال معرضه الاستعادي في ضاحية سيدي بوسعيد أن يستعيد مكانته، شيخا للنحاتين في تونس، بعد أن كاد النسيان يطويها، ويتضمّن المعرض أعمالا للفنان غطّت سيرته الفنية على مدى عقود، احتوت على أعمال منفّذة بالرخام والحجارة والبرونز إضافة إلى الخشب.

مشاركة :