من السهل تجاهل معدلات التضخم المترنحة عبر القارة الآسيوية باعتبارها أحد نواتج انخفاض أسعار النفط ، لكن ذلك يخفي وراءه من دون أدنى شك عدداً من المؤشرات الخطرة الأخرى. فالنمو عبر القارة مستمر في التباطؤ كما أن أدوات الفعل التقليدية لمنع تحول التباطؤ إلى انكماش شامل تبدو وكأنها غير مجدية. وهناك مفهومان خاطئان يحكمان المعادلة. أولهما أن القراءات الخاصة بتذبذب معدلات التضخم هي ظاهرة مؤقتة. فلا بد أن تدفع أسعار النفط في حال استقرارها عند هذا الحد أو تراجعها، مؤشرات التضخم صعوداً خلال النصف الثاني من العام الحالي ، نظراً للترابط العضوي المزعوم بين تلك العوامل. وتراجع أسعار الطاقة خلال الأشهر التسعة الماضية يشكل مطباً لآسيا التي تستورد معظم ما تستهلكه من الخام. ولذلك سوف يستمر مؤشر التضخم في الهبوط لفترة، لكنه يعوض عن طريق تعزيز النمو الاقتصادي وتصاعد الضغوط الناتجة عن ارتفاع أسعار المستهلك على نطاق أوسع. إلا أن المشكلة تكمن في كون النمو الاقتصادي لا يستفيد من تراجع اسعار النفط. وكما يفترض أن يتحسن الطلب على الأقل بدءاً من اليوم. لكن القارة تشهد تراجعا في معدلات النمو منذ بداية العام هي الأولى منذ الأزمة المالية العالمية. والسؤال الأهم هو إلى أي مدى كان يمكن أن يبلغ ضعف النمو لو أن أسعار النفط لم تهبط؟ والجواب نصف نقطة مئوية في دول مثل كوريا والهند وتايلاند، حيث يتأثر الإنفاق إلى حد كبير بأسعار الطاقة قياساً على دول أخرى. وهذا يسلط الضوء على عوامل أخرى أشد تأثيراً في النمو الاقتصادي في آسيا وأوسع نطاقاً. ولم يقتصر الأمر على تراجع مؤشرات التضخم بل إن ضغوط الأسعار الأساسية التي ترتبط بالطاقة تراجعت أيضاً. وقد خفضت البنوك المركزية معدلات الفائدة وضخت سيولة في الأسواق. إلا أن الاستثمارات فشلت في دفع عجلة النمو الاقتصادي وحافظ المستهلكون على احجامهم عن الإنفاق. ونشطت اسواق الأسهم لكن ذلك لن يسعف الاقتصادات الآسيوية في قضية النمو. أما الخطأ الثاني فهو أن ميل الاقتصاد نحو الانكماش أمر غير ذي بال. فقد لاحظت ورقة بحث صدرت عن بنك التسوية الدولي أن الإنكماش نادراً ما يرتبط بضعف الاقتصاد. واكتشف الباحثون أنه منذ الحرب العالمية الثانية غالباً ما تنخفض الأسعار وقت الازدهار الاقتصادي. وقد عزز هذا العنصر الانطباع السائد بأن موجة ضغوط انخفاض الأسعار الحالية في آسيا يمكن تجاهلها بأمان. وهكذا وطبقاً لتوقعات بنك التسوية الدولي فإنه في حال تزامن الانكماش مع فقاعة في أسعار الأصول فلا بد أن يكون تأثيره مدمرا في النمو الاقتصادي والاستقرار المالي. وتبدو آسيا أكثر هشاشة بشكل خاص بمقاييس هذه المعادلة. فلم يتضاعف حجم ديونها فقط خلال السنوات الأخيرة، وهو ما عرض الدائنين الباحثين عن عوائد أعلى ودخل أفضل لخدمة التزاماتهم، بل إن اسعار العقارات كانت تخضع لموجة مضاربات عاتية تغذيها على الدوام قروض افتراضية. ولهذا يرتبط الانكماش طويل الأجل بتأثير كابح للنمو. وفي حال تعرضت اسعار الأصول لهزة طارئة فلا بد أن تسفر عن تحديات في استقرار القطاع المالي. إلا أنه في غمرة هذه الورطة لا بد من التمييز بين الانكماش السلبي والانكماش الإيجابي. فالأول يلازم تقلص الطلب ما يعني أن ضرره سيلحق بأرباح الشركات. أما الثاني فيلازم القفزات التي تشهدها الإنتاجية وبالتالي يحفظ هوامش الربحية حتى وإن تراجعت الأسعار. وفي الحالة الآسيوية من الصعب التكهن بحدوث انكماش إيجابي.صحيح أن تراجع أسعار السلع الاستراتيجية عنصر يدعم الأرباح، لكنه يعكس على نطاق واسع تراجعاً في الطلب.كما أن نمو معدلات الإنتاجية تراجع خلال السنوات الأخيرة. ما الذي يجب فعله إذاً؟ هناك ما يدفع للاعتقاد بأن تخفيف قيود السياسة النقدية قد يكون مجدياً. لكن هذه الأداة فقدت قدرتها على الفعل بسبب كم الديون الهائل. وقد تجدي هذه الخطو على المدى القريب لكن لا بد من الإصلاحات التي تتيح لرأس المال استخدامات أكثر فاعلية. والمطلوب تغيير القوانين الناظمة لعمل القطاع المالي بما يشجع البنوك على تحمل المخاطر ولو مؤقتاً. وهذا يستتبع ضرورة منح الشركات في القطاع الخاص فرص توسيع أعمالها خاصة بمساواتها في الامتيازات مع منافساتها الحكومية وبالتالي فتح القطاعات الاقتصادية المحمية أمام الاستثمارات الأجنبية.
مشاركة :