بيروت/باريس (رويترز) - أمهل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الثلاثاء زعماء لبنان حتى نهاية شهر أكتوبر تشرين الأول لبدء تطبيق إصلاحات، قائلا إن المساعدات المالية ستحجب عن البلد وسيفرض عليه عقوبات إذا شكل الفساد عقبة في طريق الإصلاح. وقال ماكرون لمؤتمر صحفي في بيروت إن الزعماء السياسيين اتفقوا على تشكيل حكومة خبراء خلال الأسبوعين المقبلين للمساعدة في تشكيل مسار جديد للبلد الذي يرزح تحت وطأة انهيار اقتصادي. وقال ماكرون في ثاني زيارة له في أقل من شهر للضغط من أجل اتخاذ إجراءات لمعالجة أزمة مالية متجذرة في الفساد وسوء الإدارة “لا يوجد شيك على بياض للبنان، هذا مطلب بموعد في غضون ستة إلى ثمانية أسابيع”. وأضاف “إذا فشلت نخبتكم السياسية فلن نأتي لمساعدة لبنان”. وذكر أن العقوبات المستهدفة يمكن فرضها في حالة ثبوت الفساد وأنه سيتم التنسيق مع الاتحاد الأوروبي، لكن هذا لن يكون على جدول أعمال أكتوبر تشرين الأول لأننا “في خضم عملية بناء ثقة وحوار متبادل”. والأزمة المالية، التي تفاقمت بسبب الانفجار المدمر الذي حدث في مرفأ بيروت الشهر الماضي، أكبر تهديد لاستقرار لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها من 1975 إلى 1990. وفي وسط بيروت قرب المرفأ الذي دمر في انفجار الرابع من أغسطس آب، أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على محتجين تجمعوا خارج البرلمان للتنفيس عن غضبهم من سوء الإدارة والفساد الحكومي اللذين جرا لبنان إلى ما يعانيه من أزمات. وانتشرت قوات الأمن أيضا خارج المكان الذي التقى فيه ماكرون بزعماء سياسيين ودينيين لبنانيين. ورفعت إحدى المجموعات لافتة كُتب عليها “الشرعية من الناس”. وكان ماكرون قال في مقابلة مع صحيفة بوليتيكو أثناء توجهه إلى بيروت يوم الاثنين “إنها الفرصة الأخيرة لهذا النظام”، مضيفا “أدرك أني دخلت مقامرة محفوفة بالمخاطر...أضع على الطاولة الشيء الوحيد الذي أملك: رأس مالي السياسي”. وأضاف ماكرون، الذي تفقد المرفأ المدمر يوم الثلاثاء، أنه يريد من زعماء لبنان “التزامات موثوق بها” و”آلية متابعة دقيقة” وكذلك إجراء انتخابات تشريعية في غضون ستة إلى اثني عشر شهرا. ويواجه الساسة اللبنانيون، وبعضهم من زعماء الفصائل المسلحة السابقين الذين أشرفوا لعقود على فساد واسع النطاق، مهمة صعبة في ظل اقتصاد متداع ودمار أجزاء من بيروت بعد انفجار المرفأ وتصاعد التوتر الطائفي. وقال ماكرون لموقع بروت الإخباري إنه سيزور لبنان مرة أخرى في ديسمبر كانون الأول. وأثمرت ضغوط ماكرون بالفعل عن اتفاق الكتل السياسية الكبرى على ترشيح مصطفى أديب رئيسا جديدا للوزراء، والذي دعا إلى الإسراع في تشكيل حكومة وتعهد بإصلاحات سريعة لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي. واستغرق تشكيل حكومة شهورا في السابق. لكن ماكرون قال إنه سيضغط على الساسة كي يتحركوا سريعا في هذا الإطار، مضيفا أنه لن يسمح بصرف الأموال التي تم التعهد بها في مؤتمر للمانحين عام 2018 في باريس دون إصلاحات. * نفوذ أجنبي وسبق أن زار ماكرون لبنان في أعقاب الانفجار الذي أودى بحياة ما يربو على 190 شخصا إلى جانب إصابة ستة آلاف. وقال إن المجتمع الدولي ينبغي أن يواصل التركيز على الوضع الملح في لبنان لستة أسابيع، مضيفا أنه مستعد للمساعدة في تنظيم مؤتمر دولي بالتنسيق مع الأمم المتحدة في منتصف أكتوبر تشرين الأول أو نهايته. وتابع “مستعد لاستضافته في باريس”. واحتل ماكرون موقع الصدارة في المطالبة بالتغيير لكن قوى أجنبية أخرى ما زالت تمارس نفوذا قويا في لبنان خاصة إيران من خلال جماعة حزب الله الشيعية المسلحة. ومن المقرر أن يصل إلى بيروت يوم الأربعاء مبعوث من الولايات المتحدة، التي صنفت حزب الله منظمة إرهابية وتقدم مساعدات مالية للجيش اللبناني. وتمارس السعودية كذلك نفوذا على لبنان عن طريق مواطنيه السنة. وبينما كان ماكرون يغرس شتلة شجرة الأرز في محمية غابات في الجبال بشمال شرق بيروت، حلق فريق العروض بالقوات الجوية الفرنسية على ارتفاع منخفض وأطلقت طائرته دخانا باللون الأحمر والأبيض والأخضر، التي يحملها علم لبنان. وأعلنت فرنسا حدود لبنان قبل 100 عام في إطار اتفاقية استعمارية مع بريطانيا، قبل أن ينال استقلاله عام 1943. وبدأ زيارته في وقت متأخر يوم الاثنين بلقاء أيقونة الغناء العربي فيروز (85 عاما) التي يسمو فنها على الانقسامات العميقة في لبنان. واستقبله عشرات المحتجين الذين تجمعوا بالخارج رافعين لافتات تعارض تشكيل حكومة مع “القتلة” وتحذر ماكرون من “الوقوف في الجانب الخطأ من التاريخ”. والتقى ماكرون بالرئيس ميشال عون في استقبال رسمي بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس لبنان. ويشمل جدول أعماله أيضا اجتماعات مع طوائف لبنان الأساسية. وانهارت العملة اللبنانية تحت وطأة جبل من الديون ولم يعد بمقدور المودعين السحب من مدخراتهم التي تتراجع قيمتها بشكل متزايد في نظام مصرفي عاجز. وارتفع معدل الفقر والبطالة. وقال ماكرون “كل شيء متوقف الآن ولبنان لم يعد قادرا على تمويل نفسه”، مضيفا أن البنك المركزي والنظام المصرفي في أزمة وهناك حاجة لتدقيق محاسبي. وتابع “هناك أموال لم تذهب للأهداف المحددة لها على الأرجح، لذلك نحن بحاجة إلى معرفة حقيقة الأرقام حتى يتسنى اتخاذ إجراءات قضائية بعد ذلك”. شاركت في التغطية ميشيل روز وماثيو بروتار في باريس- إعداد ليليان وجدي للنشرة العربية Our Standards: The Thomson Reuters Trust Principles.
مشاركة :