تشهد الساحة الأدبية الإماراتية في الآونة الأخيرة نشاطاً مكثفاً في الورش التدريبية حول الكتابة الإبداعية، والإبداع الروائي بشكل خاص، فقد اختتمت يوم الجمعة الورشة التدريبية التي نظمتها ندوة الثقافة والعلوم بعنوان الكتابة الوصفية في النص الأدبي وأشرفت عليها الروائية الكويتية بثينة العيسى، وشارك فيها عشرون متدرباً من الكتاب الشباب، تعرفوا خلالها إلى تقنيات الكتابة الوصفية وطرق تجنب مزالق الأسلوب التي لا تخدم الرواية، وكان مركز دبي الدولي للكتاب قد نفذ مؤخراً برنامجاً تدريبياً استفاد منه عدد من الكتاب الإماراتيين، وأقيمت خلاله ورش ركزت على طرق تطوير مهارات الكتابة لدى المشاركين وتنمية مواهبهم، وورش حول تحفيز الخيال، وتحويل الأفكار إلى قصص وأعمال روائية متميزة، وأساليب اختيار الجمل والكلمات المناسبة لكل موقف، وغيرها. أما جائزة الإمارات للرواية العربية فقد أنجزت خلال عام 2014 برنامجاً تدريبياً متكاملاً لعدد من الروائيين الشباب، على مراحل تحت عنوان برنامج الروائي، واختتم ذلك البرنامج بإنجاز الروائيين عشر روايات متكاملة، أغلب كتابها لم يكونوا قد أنجزوا روايات قبلها، ونشرت هذه الروايات متزامنة مع الدورة الماضية من معرض أبوظبي للكتاب، كذلك نفذت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، ورشة عمل متخصصة في الكتابة الإبداعية الروائية أشرفت عليها الروائية اللبنانية نجوى بركات، واستفاد منها مجموعة من الكتاب الإماراتيين الجدد، وأقيمت على مراحل شملت أولاً التعرف إلى تقنيات الكتابة الروائية والتطبيق على نماذج أدبية لكبار الكتاب، ثم كتابة نصوص روائية على مراحل تم خلالها مراجعة ما أنجز وتطويره بالنقاش بين الكاتبة والمشاركين، وهي تجربة مشابهة لتجربة محترف الرواية الذي تشرف عليه بركات في لبنان ويدرب الكتاب الشباب على تقنيات الكتابة الإبداعية. ولا يتوقف الاهتمام بالكتابة الروائية في الإمارات عند هذا الحد بل يتجاوز فهناك ورش كثيرة لدى مؤسسات رسمية وأهلية، تحاول أن تفتح للأدباء الجدد أفق الكتابة، وخاصة كتابة الرواية حتى يتعرفوا إلى هذا الفن الذي أصبح بحق ديوان العرب في مستهل هذا القرن، وتضاعف الاهتمام به من لدن الكتاب والقراء على حد سواء، ما يعني أن المشهد الثقافي الإماراتي يحث الخطى حتى يكون في صدارة الركب، وذلك عن طريق تأهيل الكتاب الجدد وتسليحهم بأدوات فنية على أسس صحيحة يمكنها أن تساعدهم في قطع أشواط كبيرة نحو الإبداع. مبادرات الورش الإبداعية مبادرات قيمة وتقدم خدمة جليلة للكتاب الذين لا يزالون في بداية طريقهم الشاق نحو فن عصي يحتاج الكثير من الجهد والوقت لكي يحكم الكاتب مهاراته، ومن المؤكد أنها تختصر لهم الكثير من الوقت، وتستجمع لهم بطريقة عملية أفكاراً وتجارب، قد يحتاجون إلى عدة كتب وتجارب طويلة لكي يجمعوها، وهذا مفيد لو وعاه هؤلاء الكتاب ووضعوه في عين الاعتبار، ولا شك أن هذه الورش ستكون نتائجها كبيرة على الساحة الأدبية، وقد بدأت تظهر في شكل روايات تولدت أفكارها وأنجزت أثناء هذه الورش، وفي الاهتمام المتزايد من الكتاب بتطوير مهاراتهم الكتابية ومتابعتهم الدائمة للورش، وهي مبادرات قيمة قد لا تتوفر لكثيرين في مناطق أخرى من العالم، لكنّ المتدربين مدعوون إلى التأكد من أمرين، أولهما أن الورش مهما كانت كثافتها ومهارة المشرفين عليها، وسخاء المؤسسة التي تنظمها، لا يمكن أن تغرس الموهبة لدى غير الموهوب، لكنها يمكن أن تنميها إذا كانت موجودة، وعليه فإن من يتصدى من هؤلاء الشباب للكتابة ينبغي أن يتأكد أولاً من امتلاكه الموهبة الأدبية، والاستعداد الفطري للكتابة، حتى لا يضيع وقته في ما لا طائل منه. الأمر الثاني أن هذه الورش كما قلنا تنمي الموهبة وتدفع بها أشواطاً إلى الأمام، لكنها لا تغني عن التعلم والقراءة المتواصلة لكبار الأدباء، والقراءة في جميع مجالات الثقافة أيضاً، لأن الكتابة ثمرة لابد أن يسبقها غراس ينمو وئيداً بين دفّات الكتب والممارسة الدائبة حتى يستوي على سوقه وتتفتح سنابله لتثمر قطافاً جنياً هو الإبداع، فلا مناص للكاتب الذي يعد نفسه للرسوخ في مجال الأدب أن يمر بهذه المراحل ويبذل الجهد فيها لكي يصل إلى النتيجة التي يريدها. ربما يكون من المفيد واستكمالاً للدور الكبير الذي تلعبه هذه الورش تنظيم مباردات مشابهة في مجال القراءة الأدبية، تنظم فيها جلسات قراءة أسبوعية أو شهرية لمجموعة منتظمة من الكتاب ومحبي القراءة لكي يقرأوا ويناقشوا رواية أو مجموعة قصصية، وقد أعلن مركز دبي الدولي منذ أشهر عن احتضان منتدى للقراءة بهدف إقامة مثل هذه الجلسات، ونرجو أن تجد إقبالاً من طرف الكتاب لأنها إن استمرت واتسعت فسوف تكون مفيدة لهم.
مشاركة :