تتنقل فاليري كينيدي في كتابها «إدوارد سعيد: مقدمة نقدية» بين الذاتي والعام في سيرة المفكر الفلسطيني الراحل، وكتاباته المتنوعة حول القضايا المختلفة، سواء كانت تلك المتصلة بالاستشراق أم بالدراسات النقدية أم بالقضايا السياسية. تحيلنا مقدمة الكتاب إلى بعض السير الذاتية عن سعيد، والتي تخدم في بلورة رؤية لما تريد الكاتبة تسليط الضوء عليه، فسعيد فلسطيني المولد الذي نشأ وانتقل بين عالمين؛ بل بين ثقافتين، يجمع بين تناقضات عالمين في نموذج، يصلح لأن نطلق عليه نموذج إدوارد سعيد، وما يميزه - كما توضح المؤلفة - هو أنه منشغل بمجالات ثلاثة: أولاً كتاباته عن العلاقة بين الشرق والغرب، الشرق والعالم الإسلامي والعربي على وجه الخصوص، من جهة، واضطلاعه بدور مهم في تقديم سرد فلسطيني عن الأحداث في الشرق الأوسط، من جهة أخرى، يضاف إلى الأمرين تنظيره عن دور المثقف في العالم المعاصر، إلى جانب دوره المحوري في الدراسات النقدية والأدبية، التي تأثرت بهذه الأمور الثلاثة. إن عمل سعيد داخل وخارج الأكاديمية عمل بارز وجدلي على حد سواء، ففي الفصول الدراسية الأكاديمية لا يزال الاستشراق يثير الجدل، وسعيد هو الشخصية الأكثر أهمية؛ لكن أيضاً الشخصية الأكثر إثارة للخلاف، في مجال النظرية ما بعد الاستعمارية، أما في المجال العام وبشكل كبير نتيجة لمناصرته للقضية الفلسطينية، فسعيد شخصية مهمة وخلافية على حد سواء، لقد قدم إسهامات عديدة في المناظرات العامة، وفطن إلى الدور المستمر للإرث الإمبريالي في الثقافة والسياسة الأمريكية. تشير المؤلفة إلى أن إدوارد سعيد يتكلم من موقع القريب من المركز؛ لكن بإدراك مستمر لمسؤولياته نحو أولئك الذين في المحيط، يسمح له أيضاً بأن يدافع عن الحقوق والقيم التي يؤمن بها.
مشاركة :