ما يزال موضوع الاستشراق يأخذ الكثير من المراجعة، بين فترة وأخرى يركز بشكل أساس على الأهداف التي تبناها بعض المستشرقين حول الشرق وحضارته، ولعل من برز في هذا المجال المفكر الأميركي الجنسية الفلسطيني الأصل إدوارد وديع سعيد الذي زخرت أطروحاته وآراؤه حول الاستشراق بعمق وموضوعية علمية رصينة، إﻻ أنه تعرض للكثير من النقد من قبل بعض المفكرين الغربيين على نحو شرس حول آرائه عن الاستشراق. المثير للاستغراب هو أن يأتي من أبناء الشرق وهو مسلم لكي يتوافق مع المفكرين الغربيين في آرائهم عن الاستشراق عند إدوارد على نحو غريب، ولعل من هؤلاء من يعرف بـ "ابن الوراق" وهو مفكر علماني من أصل باكستاني يعيش في أميركا وهذا اسمه الحركي، هذا المفكر راح يجادل إدوارد سعيد بحماسة مستفيضة رافضا تعريف إدوارد سعيد للاستشراق، وأنه في تعريفه له يتبع محاولة غير عادلة ومتحيزة لكي يلوم الغرب على إخفاقات ونكسات الثقافة الإسلامية، معتمدا على أنماط المفكرين الليبراليين والمنظريين المعروفين الذين معظمهم من الفرنسيين، ويلوم إدوارد سعيد على استخدامه غير المناسب للأدوات المنهجية والحجج غير المترابطة وأخطاء في مجال المعرفة التاريخية المشتركة للشرق الأوسط. ويذكر ابن الوراق أن العرب تشبعوا بأنهم ضحايا للإمبريالية والعبودية والعنف من قبل الغرب، وهذا عزز فيهم الضعف وجلب لهم الفتور والركود، ويعرج على الأمثلة التي استخدمها إدوارد سعيد لدعم فرضية التأثير الخبيث للاستشراق وهو استعمار نابليون لمصر، ويرى أن الفرنسيين هُزموا واضطروا لمغادرة مصر باشمئزاز بعد أقل من أربع سنوات من وصولهم، واستدل بما قاله نجيب محفوظ إن مصر مدينة للغزو الفرنسي في إنقاذه من عهد الظلامية، حيث استفاد المصريون من استكشاف تاريخ مصر قبل الإسلام بفعل الأعمال التي قام بها علماء فرنسيون مثل شامبوليون ومارييت. وينتقد ابن الوراق إدوارد سعيد في تحامله العرقي عند ذكر المستشرقين الذين كانوا متحمسين للثقافة غير الغربية، متحيزين للفساد والتعصب وعدم التسامح والعدوانية، وأنه يغيب عنه أن الحضارة الغربية قامت على البحث عن المعرفة من أجل المعرفة فلا ينحصر النقد على قلة، بينما هناك العديد من المنصفين للمسلمين والإسلام، ذكر منهم بيير بييل والكونت هنري دو بوﻻنفيلييه وجورج سال الذي درس تاريخ الإسلام والقرآن، وكذلك دينس ديدرو وإدوارد جيبون وجوتهويولد ليسنج الذي صور المسلمين والإسلام بصورة إيجابية، ولكن ابن الوراق لم يأت على ذكر المستشرق الهولندي سنوك هرخونيه الذي ساهم بشكل كبير في ترسيخ الاستعمار الهولندي في إندونيسيا، مما جعل جان بول سارتر يقول إن (جميع البيض شاركوا في استغلال العالم الثالث لذلك فإن العنف ضد الغربيين وسيلة مشروعة للشعوب المستعمرة ليستعيدوا بها إنسانيتهم)، حيث كان هناك توجه إمبريالي جشع امتد من الحرب العالمية الأولى حتى الحرب العالمية الثانية، وإلى عصرنا الحاضر مع الاختلاف في الوسائل.
مشاركة :