نواجه اليوم أزمة ديمقراطية عالمية، وأعتقد أنه يتم تقويض حقوقنا على يد «فيسبوك» منصة التواصل الأضخم عالمياً، وما من أحد يحاسب. لقد عملت خلال مرحلتي «بريكست» والحملة الانتخابية لترامب في العام 2016 في شركة «كامبريدج أناليتيكا»، حيث كنت أشهد على العنصرية البغيضة والمعلومات المضللة غير الخاضعة للتحقق تساق مباشرة عبر صفحات الناخبين عبر «فيسبوك». الديمقراطية الأقوى في العالم على وشك انتخاب الرئيس المقبل، غير أنه لم يحدث الكثير لمنع التاريخ من إعادة نفسه. والأسوأ أن «فيسبوك» قد أعلنت موقفها الرسمي حيال عدم قدرتها على التعامل مع المزاعم الزائفة للسياسيين. إنها حقبة الشعبوية، وهذا خطر. ولا بدّ لنا اليوم من التصرف لحماية أنفسنا كما الناخبين وإلا فسوف نستمر في رؤية المنصة تستفيد على حساب تآكل الحريات. لا بد من القيام بشيء ما لحماية ديمقراطيتنا الرقمية. وأدلى نيك كليغ، مدير الشؤون العالمية والاتصالات لدى فيسبوك بخطاب مؤخراً، في أحد مؤتمرات التكنولوجيا في ميونيخ، زعم فيه أن الطريقة الأمثل لتوافق «فيسبوك» مع تمنياتنا تمر عبر سن قوانين جديدة يمكن لهم التقيد بها. إلا أنه توجد قوانين تحارب قمع الناخبين وإثارة العنف والتحريض على الذم والتشهير، لذا بادرت بالسؤال عما إن كان يسعنا الانطلاق من تطبيق فيسبوك للقوانين السارية أصلاً. وكرر كليغ في وقت لاحق من المؤتمر الاقتصادي العلمي في دافوس، أن «فيسبوك» تطبق القوانين، مع الاعتراف بإمكانية تقديم أداء أفضل. فهل يعتبر ذلك دفاعاً صالحاً؟ فأنا على ثقة بأنني لو قمت بإنشاء منصة تسمح بالتدخل الخارجي بالانتخابات وحرّضت على القتل الجماعي للأقليات الإثنية بأن عبارة «كان يمكن أن نكون أفضل» ما كانت لتحميني من الملاحقة. ومن المثير للحيرة، أن عدداً من القوانين المرعية الإجراء باتت تطبّق على الأشخاص العاديين، إنما ليس على السياسيين. وقد أشار مارك زوكربيرغ إلى قراره بأن «فيسبوك» لن تلطّف المحتوى السياسي، مؤكداً أن كل ما يقوله السياسيون يعتبر «جديراً بأن يكون خبراً» حتى لو لم يكن صحيحاً، حتى لو كان ما يقولونه يتعارض مع حقوق أخصامهم ومواطنيهم. إن الجدال القائم بين حرية التعبير والرقابة يميل لصالح الأهداف السياسية، ويبدو أنه يشكل عذراً مناسباً لتحقق «فيسبوك» منافع من السماح بالتطرف عبر منصته. من بين مليارات الدولارات التي يتم إنفاقها على الانتخابات الأمريكية، فإنّ أغلبية أموال الإعلان السياسي تتدفق إلى «فيسبوك» دون التحقق من صدقية المعلومات. إذ لن يتم حجب أو إزالة أي محتوى حتى لو ثبت زيفه. يتعين علينا، في ظل إنكار منصة «فيسبوك» للمشكلات القائمة التي تشكل تهديداً لديمقراطيتنا أن نتصرف من أجل حماية مستقبلنا الرقمي وتداعياته على الديمقراطية. من هنا، تتوجب المطالبة بأن يلتزم السياسيون بالمعايير المجتمعية عينها للناس العاديين. وإن كنا لا نستطيع كأفراد نشر المحتوى التشهيري، فلا بدّ ألا يتمكن مسؤولو حملة بوريس جونسون ودونالد ترامب من القيام به أيضاً. ثانياً، يتعين مطالبة «فيسبوك» البدء برصد خطاب الكراهية، والمعلومات المزيفة وقمع الناخبين، علماً أن المنصة لا تبذل مجهوداً في هذا المجال، وتقوم بالخطوة متأخرةً، وتحتاج لتخصيص المزيد من المبالغ لتمويل عمليات المنع وبسرعة. كما يتوجب في النهاية المطالبة بتجريم المسؤولين المنفذين للشركات الذين يسمحون بحدوث انتهاك لحماية البيانات عبر الإهمال. فلنفكر بقوة الحافز التي كانت لتكون لدى «فيسبوك» في حال وجدت عقوبة السجن. ويخيل إليّ أنه لو سمحنا لمارك زوكربيرغ وسواه من التنفيذيين التقنيين بدفع غرامة الانتهاكات الانتخابية لكنا بعنا ديمقراطيتنا لأعلى سعر. لذا لا بد من أن نسأل أنفسنا: هل ينبغي أن تستمر الديمقراطية معروضةً للبيع؟. وحدها أفعالنا ستجيب عن السؤال. * صحافية في «إندبندنت»طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :