الأسواق جانبها الصواب في تفاؤلها بعودة القطاع الصناعي العالمي لدائرة النمو. وتكمن قوة الأسهم العالمية والأصول الأخرى المحفوفة بالمخاطر خلال الأشهر القليلة الماضية، في بدء ترسخ عملية التعافي الدوري العالمي، في أعقاب ركود حاد كان للقطاع الصناعي فيه نصيب الأسد خلال العامين 2018-2019، بحسب فاينانشيال تايمز. ولكن يقابل هذا التفاؤل الذي يسود أسواق المال، نبرة تشاؤم أكثر حدة من بعض الخبراء الاقتصاديين الذين يتنبؤون بمستقبل النمو العالمي خلال العام الجاري. وظل تحديث تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية الصادر عن صندوق النقد الدولي، متشائماً إلى حد ما. ووصف التقرير، بوادر الاستقرار الأخيرة في النشاط العالمي، بأنها ليست أفضل من أن تُوصف بـ«مؤقتة»، وأن أي عملية تعافٍ خلال هذه السنة، لن تعدو كونها «بطيئة». وفي حقيقة الأمر، تم خفض توقعات الصندوق لنمو الناتج المحلي الحقيقي في اقتصادات الدول المتقدمة في 2020، لما لا يزيد على 1.6% فقط، أي دون الرقم المسجل في 2019 بنسبة قليلة. وعلى الرغم من أن البيانات المتعلقة بالاقتصادات الكبيرة، ظلت غير واضحة خلال الربع الأخير من العام المنصرم، إلا أن الأنباء السارة، ترجح أن الركود في القطاع الصناعي العالمي، يشارف على النهاية. وفي حين يشكل القطاع الصناعي، 20% فقط من الاقتصاد العالمي، إلا أن أهميته في الدفع بعجلة دورة الأعمال، تعززت خلال العامين الماضيين، نظراً إلى أن العديد من الصدمات الكبيرة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي، ركزت بشكل خاص على قطاع السلع. وتتضمن هذه الصدمات، التراجع في الاستثمارات الثابتة المرتبطة بعدم يقين سياسة التجارة والخفض الكبير في مخزونات اقتصادات الدول المتقدمة خلال النصف الثاني من 2019 وتراجع الإنتاج في آسيا ومعاناة قطاع السيارات الألماني، بالإضافة إلى تراجع الإنفاق على البنية التحتية، الناتج عن تشديد سياسة الائتمان في الصين. وأدى تضافر كل هذه العوامل، لتراجع كبير في الناتج الصناعي المتصل بالخدمات والناتج المحلي الإجمالي عموماً خلال السنة الماضية. وفي الحقيقة، كان محور السؤال الأهم يدور في السنة الماضية، حول ما إذا كان سيؤدي الركود الصناعي، لتقويض سوق العمل وثقة المستهلك واستصحاب قطاع الخدمات معه. وظهرت في الآونة الأخيرة، العديد من المؤشرات التي تبشر ببدء زيادة ثقة الأعمال في قطاع الصناعة، مدفوعة بتخفيف وطأة الصدمات السلبية، بما فيها التي تعرض لها قطاع التجارة وبتخفيف الشروط النقدية. ونتيجة لذلك، تحسنت بيانات النشاط العالمي خلال الأسابيع القليلة الماضية. ويسير نمو النشاط العالمي الحقيقي، بوتيرة قدرها 4.1%، بما يزيد بنحو 1.6% عن الربع الأخير من العام الماضي، وفقاً لمؤشر بي أم آي الصيني. وبلغت نسبة التحسن في اقتصادات الدول المتقدمة خلال تلك الفترة 0.5%، بينما قفزت الأسواق الناشئة بنسبة كبيرة قدرها 2.5%. ويبدو أن النشاط قد بلغ أدني مستوياته في الاقتصادات الآسيوية، التي تُعد بمثابة مؤشرات معتبرة بالنسبة للدورة العالمية. وكثيراً ما قدمت استطلاعات العمل في قطاع الصناعات التحويلية، إلى جانب نشرات التوقعات الآنية على مستوى الاقتصاد، إشارات مبدئية موثوقة لنقاط التحول في دورة الأعمال العالمية. ويبدو أن الاقتصاد العالمي قد تجاوز مرحلة الأسوأ. وظلت حصة القطاع الصناعي في الإنتاج الكلي لاقتصادات الدول المتقدمة، في تراجع مستمر لعدة عقود، حيث تقلصت في أميركا مثلاً، لنحو 11% فقط وما زالت في تراجع. وفي الأسواق الناشئة، تعتبر حصة قطاع الصناعة في الاقتصاد ككل، أكثر بكثير عند 28% في الصين، إلا أنها بدأت في التراجع في الوقت الحالي. ولكن لماذا يقضي المستثمرون وخبراء الاقتصاد الكثير من الوقت في التركيز على قطاع السلع. ربما يكون من بين الأسباب في ذلك، التباين الكبير في الناتج الصناعي خلال الدورة الاقتصادية، بالمقارنة مع ناتج الخدمات. وتشير آخر البيانات، لاستمرار تراجع مستوى نمو الإنتاج الصناعي في اقتصادات الدول السبع الكبيرة حتى حلول أكتوبر عام 2019، مدفوعاً بالضعف الواضح في إنتاج المركبات نتيجة الأعاصير التي ضربت اليابان في السنة الماضية. وصاحب معظم هذا التراجع، ضعف مشابه في الصادرات، إلا أن نمو الخدمات والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، لم يتأثر كثيراً.
مشاركة :