أدت إعادة الفتح التدريجي للأعمال والأنشطة في مصر، خلال النصف الثاني من عام 2020، في ظل تخفيف قيود الإغلاق، إلى تسارع النمو الاقتصادي إلى 2 في المئة على أساس سنوي خلال الربع الثاني من السنة المالية 2020-2021 (أكتوبر - ديسمبر) مقابل 0.7 في المئة في الربع السابق، مما دفع متوسط معدل النمو إلى نحو 1.4 في المئة في النصف الأول من السنة المالية الحالية، إلا أنه رغم هذا الاتجاه الواعد فإن حالة عدم اليقين بشأن النمو العالمي والتقدم في حملة التطعيم المحلية يمكن أن تؤثر على وتيرة التعافي الاقتصادي، لاسيما قطاع السياحة الذي يحظى بأهمية خاصة، «لذلك نتوقع نموا بنسبة 2.5 في المئة في السنة المالية 2020-2021، مقابل 3.6 في المئة العام السابق، كما نتوقع أن يتعافى النمو إلى حوالي 5 في المئة على المدى المتوسط، مستفيدا من التزام السلطات بالإصلاحات والدعم المتاح من صندوق النقد الدولي إذا اقتضت الحاجة». تحسن الوضع المالي وحسب الموجز الاقتصادي، الصادر عن بنك الكويت الوطني، استمرت جهود الحكومة الرامية إلى تعزيز أوضاع الميزانية على قدم وساق خلال هذا العام الحافل بالتحديات، إذ بلغ العجز حوالي 4.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر السبعة الأولى من العام المالي 2020-2021 (يوليو - يناير) مقابل 4.6 في المئة خلال نفس الفترة من العام الماضي، محققا فائضا أوليا نسبته 0.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وبالنظر للسنة المالية في مجملها، فمن المتوقع أن يتقلص العجز إلى 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 7.9 في المئة في السنة المالية 2019-2020، وأن يستقر عند مستوى 6.5 في المئة على المدى المتوسط، مدعوما بزيادة الإيرادات من خلال تحديث الأنظمة الضريبية وترشيد الإنفاق، ومع ذلك فإن الزيادة التي تم الإعلان عنها مؤخرا في رواتب موظفي القطاع العام ورفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 20 في المئة، رغم وجود ما يبررها، قد تضيف نفقات بنحو 2.4 مليار دولار إلى ميزانية السنة مما قد يزيد الضغوط المالية للدولة. ومن المتوقع أن يمول العجز عن طريق الاقتراض، لذلك نتوقع أن يكون حجم الاقتراض الخارجي أكبر من الاقتراض المحلي خلال العام المقبل، سعيا لخفض تكلفة خدمة الدين في ظل انخفاض أسعار الفائدة العالمية حاليا، ومن المتوقع حسب الميزانية المعدلة للسنة المالية 2020-2021 حدوث زيادة طفيفة في نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 82.7 في المئة (مقابل 82.5 في المئة في السنة المالية 2019-2020)، ثم الانخفاض إلى 77.5 في المئة في السنة المالية 2021-2022، وتبدو هذه الأهداف طموحة، خاصة في حال استمرار الجائحة لفترة أطول. القطاع الخارجي في ظل تأثر القطاعات الرئيسية بتداعيات الجائحة، فقد اتسع عجز الحساب الجاري إلى 2.8 مليار دولار (2.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) خلال الربع الأول من السنة المالية 2020-2021 (يوليو - سبتمبر) مقابل 1.4 مليار دولار (1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) في العام الماضي، ويمكن أن يصل العجز إلى 4.0 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في مجمل السنة المالية 2020-2021، قبل أن يتحسن إلى حوالي 2.5 في المئة في السنوات القادمة، مع احتمال تعافي قطاع السياحة والتجارة وأسعار الغاز. كما ارتفع الاحتياطي الأجنبي من أدنى مستوى له عند 36 مليار دولار في مايو إلى 40.2 مليارا في فبراير (حوالي ثمانية أشهر من الواردات)، بفضل زيادة تدفقات رأس المال، إضافة إلى ذلك من المفترض أن تحصل مصر قريبا على الشريحة الثالثة بقيمة 1.6 مليار دولار من قرض صندوق النقد الدولي، والتي تبلغ قيمتها الإجمالية 5.2 مليارات دولار، وبالتالي نعتقد أن الاحتياطي الأجنبي سيشهد تعافيا إلى مستويات ما قبل الجائحة البالغة 45.5 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة، في ضوء الجهود المبذولة لمواصلة الإصلاحات وتدني أسعار الفائدة الحقيقية التي لا تزال جاذبة إلى حد ما. انخفاض التضخم وعلى الرغم من الارتفاع الأخير في أسعار السلع والطاقة والزيادة المحتملة للطلب في ظل تعافي النشاط الاقتصادي، فإننا نتوقع أن يظل التضخم تحت السيطرة، فقد بلغ متوسط التضخم الحضري 5.1 في المئة عام 2020، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2005، إذ واصل اتجاه الهبوط إلى 4.5 في المئة في فبراير 2021، ومن المتوقع أن يسهم استمرار الإصلاحات وتحسن الأسس الاقتصادية في الحد من انتقال التسارع المحتمل في التضخم الأجنبي إلى الأسعار المحلية، من خلال الاستقرار النسبي لسعر الصرف. وعلى الرغم من أن التضخم لا يزال دون المعدل المستهدف 7 في المئة (± 2 في المئة) فإن البنك المركزي المصري أبقى على معدلات الفائدة دون تغيير خلال اجتماعيه الأولين لعام 2021، ومن المحتمل أن يكون الدافع وراء ذلك هو الحاجة إلى الحفاظ على معدلات فائدة مرتفعة نسبيا للحفاظ على تدفقات رأس المال وتجنب أي انعكاسات مفاجئة، ومع ذلك لا يزال لدى البنك المركزي المصري بعض المجال لمواصلة تخفيف قيود السياسة النقدية بحذر لدعم عملية التعافي الاقتصادي وتقليل كلفة خدمة الدين. قوة القطاع المصرفي وظل أداء القطاع المصرفي مرنا في ظل تحقيق نمو ائتماني قوي، إذ ساعده في ذلك الانخفاض التدريجي في أسعار الفائدة وجهود السلطات لتشجيع إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة، كما أطلق البنك المركزي المصري مبادرة تمويل عقاري بقيمة 100 مليار جنيه تستهدف مشتري المنازل من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، مع فترات سداد تصل إلى 30 عاما، وارتفع نمو الائتمان المحلي بشكل حاد إلى 23 في المئة في ديسمبر مقابل 7.6 في المئة في العام الماضي، ومن المتوقع أن يظل الائتمان مرتفعا خلال العامين المقبلين قبل أن يتباطأ فيما بعد عند تلاشي أثر إجراءات تعزيز الائتمان. الحفاظ على النمو القوي بذلت مصر جهودا كبيرة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، مما ساهم في تحقيق بعض المرونة في مواجهة تداعيات الجائحة، ومع ذلك لا يزال أمام الاقتصاد المصري العديد من التحديات، إذ ستحتاج الحكومة إلى التركيز على تحسين بيئة الأعمال وجعل القطاع الخاص المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي، وسيساعد تحقيق النمو الاقتصادي الشامل في الحد من معدلات الفقر وخلق فرص العمل اللازمة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من المصريين الذين يدخلون سوق العمل.
مشاركة :