قدم صندوق النقد الدولي شهادة دعم للإصلاحات الاقتصادية في الأردن بإعلان موافقته على تقديم قرض جديد، وسط تحذيرات من تحديات كبيرة قد تفرضها التقلبات الإقليمية وتذبذب مناخ الاقتصاد العالمي. وقال الصندوق في بيان، الجمعة، إنه توصل إلى اتفاق مع الأردن على برنامج جديد بقيمة نحو 1.3 مليار دولار مدته أربع سنوات يهدف لدعم النمو الاقتصادي وتحفيز سوق العمل مع تعزيز استقرار المالية العامة. ويؤكد محللون أن الوضع الذي بلغه الأردن في ظل جنوحه مرة أخرى إلى الاقتراض الخارجي دليل واضح على الخلل في إدارة الأموال وعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة وغياب الإرادة الحقيقية لتحسين القطاعات الإنتاجية المهمة. وقالوا إن دخول عمّان في نفق الاقتراض مجددا سيزيد من متاعب الدولة التي لم تستطع الخروج من أزمتها الاقتصادية منذ سنوات طويلة. وأوضح الصندوق أن البرنامج الذي تم ترتيبه وفق “تسهيل الصندوق الممتد” يجب أن توافق عليه إدارة صندوق النقد وأن يقره المجلس التنفيذي للصندوق، وهو ما يُتوقع أن يحدث في مارس المقبل. وقال إن جدول أعمال الاصلاح الهيكلي في الأردن “مصمم لتحسين مناخ الاستثمار وخفض التكاليف على الشركات، وهو ما سييسّر خلق الوظائف، بينما يحمي أيضا الفقراء والفئات الأكثر ضعفا في الأردن”. ولكن البعض من الخبراء يتوقعون أن تثير هذه الحزمة من القروض الشارع الأردني، الذي لم يتلمس بعد إصلاحات حكومة عمر الرزاز. وذكرت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا) أن عمّان سوف تتلقى تسع دفعات تتراوح كل منها بين 140 مليون و150 مليون دولار على مدى أربع سنوات وفق البرنامج الجديد وأن من المتوقع أن تتلقى دفعة أولى بقيمة 140 مليون دولار في نهاية مارس. ونسبت الوكالة لوزير المالية محمد العسعس قوله إن بلاده “ستدفع نسبة فائدة بنحو ثلاثة في المئة في إطار البرنامج الجديد المتفق عليه مع صندوق النقد”. وقال كريس جارفيس المسؤول بصندوق النقد والذي رأس وفد الصندوق في التفاوض على الاتفاق مع المسؤولين الأردنيين في عمّان، إن “البرنامج الجديد سيعزز أهداف الأردن الطموحة على صعيدي الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية للسنوات الأربع القادمة”. وأضاف “يهدف برنامج السلطات إلى تهيئة الظروف لمزيد من النمو الاقتصادي الشامل، لاسيما في ضوء التحديات التي تفرضها الصراعات الجارية في المنطقة والضبابية”. وأشار إلى أنه في هذا الصدد، فإن استضافة اللاجئين السوريين دليل على كرم الأردن وقدرته على الصمود ولا يزال من الضروري أن يدعم المانحون هذا المسعى والبرنامج. وأكد أن البرنامج سيشمل جهودا لخفض أسعار الكهرباء للشركات لتحسين قدرتها التنافسية وتقديم دعم مباشر للأسر لمن هم في حاجة إليه. ويفترض أن يستحدث الأردن أيضا إجراءات لمساعدة الشباب والنساء على الانضمام للقوة العاملة وإصلاح قانون للكسب غير المشروع في الأردن لتحسين نظام الإعلان عن الأصول من مسؤولي الدولة وتحسين المحاسبة. وكان الأردن قد أعلن في ديسمبر الماضي خلال مناقشة موازنة 2020 عن مساعيه لخفض أعباء خدمة الدين العام خلال السنة المقبلة من خلال برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي. وقال العسعس حينها إن “المحادثات مع صندوق النقد بشأن برنامج جديد يحل محل تسهيل الصندوق الممدد الذي ينتهي في مارس المقبل سيركز على جهود تحفيز النمو البطيء الذي يحوم حول 2 في المئة منذ 2009”. وتظهر البيانات الرسمية أن الدين العام بلغ حوالي 42.4 مليار دولار، ليصل إلى ما يعادل أكثر من 105 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن سجل ارتفاعا متواصلا خلال السنوات العشر الأخيرة نتيجة تأثر الاقتصاد بالأزمات الإقليمية. وكانت بعثة الصندوق قد قالت في ختام مهمتها للأردن في نوفمبر الماضي لإتمام المراجعة النهائية لبرنامج الصندوق، إن الدين العام ما زال “مرتفعا للغاية وأن المساعدة الدولية ستكون ضرورية لإتاحة نمو متواصل يدعم الإصلاحات”. ويرجع تزايد الدين، بشكل جزئي على الأقل، إلى تبني الحكومات المتعاقبة سياسة مالية توسعية اتسمت بضخ الوظائف في القطاع العام المترهل. ورفعت الحكومات السابقة الإنفاق الاجتماعي وأجور العاملين بالقطاع العام في مسعى لحماية الاستقرار عقب احتجاجات بالمنطقة في 2011. 42.4 مليار دولار حجم الدين العام، الذي يعادل أكثر من 105 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويؤكد الأردن التزامه بخفض العجز المالي المزمن، الذي من المتوقع أن يبلغ 1.77 مليار دولار بنهاية هذا العام، أو 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع تقديرات عند 3.1 في المئة هذا العام. وتعاني البلاد، التي تستورد أكثر من 90 في المئة من حاجاتها الطاقية من الخارج، ظروفا اقتصادية صعبة وديونا، كما أنها تأثرت كثيرا بالأزمتين المستمرتين في كل من العراق وسوريا ولاسيما أزمة اللاجئين. ويؤكد خبراء أن حدة التحديات، التي تواجه الاقتصاد الأردني منذ مطلع العام الماضي لم تتراجع حتى اليوم، وهو ما ينذر بالمزيد من المتاعب خلال الفترة المقبلة في بلد يعتمد على المساعدات الدولية بشكل كبير. وتلقي هذه الأوضاع الصعبة بظلال قاتمة على حياة المواطنين وخاصة الطبقة الفقيرة، والذين يبحثون بدورهم عن حل يوفر لهم كرامة العيش، فيما تحاصرهم ضغوط البطالة والضرائب وارتفاع الأسعار. كما يحذر الاقتصاديون من تبعات عودة أعداد كبيرة من الأردنيين العاملين في دول الخليج، ما قد يزيد تخمة البطالة، مع تضرر أوضاعها المالية والاقتصادية منذ تراجع أسعار النفط بأكثر من ثلثي قيمته منذ منتصف 2014. ويرجح الصندوق أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للأردن خلال العام الجاري 2.1 في المئة وأن يصل إلى 3.3 في المئة في الأجل المتوسط. ومن المتوقع أن يظل التضخم مكبوحا في 2020 عند أقل من واحد في المئة، لكنه قد يرتفع إلى 2.5 في المئة على مدار السنوات القليلة المقبلة. وفي ظل تباطؤ نمو عوائد الخزينة العامة، يكافح الأردن لإغراء المغتربين بالاستثمار في بلدهم من خلال محاولة تقديم صورة وردية لبيئة الأعمال وتأكيد أن الاقتصاد بالنظر يتجه للانتعاش بعد أن تجاوز مرحلة الخطر. وأشعلت بيانات انحدار الاستثمارات الأجنبية الجدل بشأن بطء الإصلاحات وتقاعس الجهات الحكومية في الترويج لمناخ الأعمال، في وقت يعاني فيه الأردن من تداعيات الأزمات الخارجية.
مشاركة :