شهد الميدان التربوي منذ أيام قليلة، واقعتين مأساويتين، تفاعل معهما فئات المجتمع كافة، حيث سجلت الأولى إصابة طالبة تدرس في الصف الحادي عشر، إثر سقوطها من الطابق الثاني في إحدى مدارس رأس الخيمة، والثانية رصدت إصابة طالبين مواطنين في المرحلة الثانوية، بإصابات بليغة بسبب سقوطهما من فوق سور إحدى المدارس الحكومية بمدينة الذيد، أثناء محاولتهما الخروج من المدرسة قبل انتهاء اليوم الدراسي، والجميع يخضع للعلاج في المستشفى. في الواقع كان الامر مزعجاً، إذ أثار مخاوف كثيرة لدى جميع الفئات في المجتمع المدرسي في الداخل والخارج، حيث أكدت بعض الآراء أن البيئة المدرسية لم تعد جاذبة بالقدر الكافي، فنجد الأبناء يفرون منها بلا مبالاة تحفظ لهم أرواحهم، فيما وصف البعض الآخر ظاهرة الهروب من المدرسة بالمصيدة التي تهدد أرواح الطلبة في المدارس، الأمر الذي دق فوق الرؤوس ناقوس الخطر ليحمل الجميع مسؤولية ما حدث. الخليج استضافت من خلال هذا التحقيق عناصر متعددة من التربويين وعلماء النفس وأولياء الأمور والطلبة، للوقوف على أسباب ظاهرة التهرب من المدرسة، وسألت: على عاتق من تقع مسؤولية حماية الأبناء في المدارس؟، وإن كان هناك قصور أدى إلى وقوع تلك الحوادث التي كادت تخطف أرواح أبنائنا الطلبة، فمن نحاسب الأسرة أم المدرسة أم المتسبب في غياب بعض العناصر المهمة في العملية التعليمية؟ وهل يا تُرى ستتم معاقبة المسؤول، أم سيتم التستر عليه والتعامل مع تلك الحوادث كأنها زوبعة في فنجان؟ الركائز الأساسية البيئة المدرسية من أهم الركائز الأساسية للعملية التعليمية، حيث تجسد مستويات متعددة من الطموح الطلابي، وترسم لهم مساراتهم المستقبلية، وتحكم في الوقت ذاته عملية دافعيتهم ونفورهم من الدراسة، هذا ما وصل إليه الدكتور عبد الله الرملي، استاذ علم النفس، وجاء يؤكد أن أسباب الهروب من المدرسة تتعلق بشكل وثيق مع بيئتها ،لاسيما المعلم الذي يؤثر مباشرة في تقويم سلوكيات الطلبة سواء سلباً أو إيجاباً، حيث يوجد معلمون يعتبرون سبباً جوهرياً في نفور بعض الطلاب من المدرسة بما يثيرونه فيهم من مشاعر النقص والإحباط، مما يشعرهم بالتوتر ليكون الحل هو الهروب من المدرسة. وأضاف أن كثرة الواجبات المدرسية كوسيلة للعقاب والتهديد، تثقل كاهل الطلاب بأعباء تجعلهم عاجزين عن أدائها، فيصبحون هدفاً لعقاب المعلم، فلا يجدون مناصاً من ذلك سوى الهروب، فضلًا عن عدم مناسبة المناهج الدراسية، لاسيما إذا كان ذكاء الطالب وإمكاناته العقلية لا تتفق معها، ويعاني صعوبة هذه المواد، الأمر الذي يشعره بالنقص والدونية أمام زملائه، وبالتدريج يحاول التماس الأعذار للتغيب، والخوف من العقاب، الذي كان من ضمن الأسباب التي أدت إلى عدم انتظام الطلبة بالمدرسة، فضلا عن كراهيتهم للمدرسة بالكامل. فالطالب الذي يتأخر عن مواعيد المدرسة لأسباب قهرية ويتعرض للعقاب الشديد، قد يفضل بعد ذلك عدم الذهاب إلى المدرسة بقية اليوم وقد يعتاد الطالب على ذلك مستقبلاً. قفص الاتهام من جانبه وضع الأستاذ جامعي الدكتور حسين عوض، الاسرة في قفص الاتهام، كأهم الاسباب التي تؤدي إلى الهروب من المدرسة، حيث يرى أن بعض الاسر تستخدم المدرسة كأداة لتهديد الطالب منذ صغره، مما يجعله ينظر إليها كخطر يهدده، فضلاً عن دعم الوالدين سلوك الهرب من المدرسة دون قصد منهما عندما يبقيان الطالب في المنزل لمساعدتهما في الأعمال المنزلية أو لمشاركتهما في رحلة معينة، وهكذا يجد الطالب في المنزل تربة صالحة لانتحال الأعذار والهروب من المدرسة. أن أمنية الوالدين التي تجعلهم يشعرون بأن المدرسة قد أدت مهمتها بمجرد ما يستطيع الصغير أن يقرأ ويكتب ويقوم ببعض العمليات الحسابية وبذلك فهم يكتفون بهذا القدر من التعلم ويحتجزونه ليساعدهم في القيام بأعباء الحياة، ويمكن إرجاع كراهية المدرسة والهرب منها إلى اضطراب علاقة المراهق بأسرته حيث يعتبر الرفض وعدم التقبل أحد الأسباب الأساسية، أو قد يكون طموح الوالدين ورغبتهم في بلوغ أبنائهم الكمال من الأسباب التي تثير القلق لدى الأبناء وتوقع الفشل وكراهية المدرسة، أو يرجع ذلك لقيام الوالدين بعقد مقارنة بين الطالب وإخوته المتفوقين عليه والسخرية منه وتعبيره بهذا النقص الأمر الذي قد يؤدي إلى كراهيته للمدرسة والهروب منها. اتساع الفجوة وأكد علماء علم النفس والاجتماعي وعدد من التربويين، أهمية دور الأخصائي النفسي في مواجهة تلك الظاهرة، فمع غيابه أو إهماله يظهر مدى اتساع الفجوة بين الطالب والمدرسة، وتفرز عن ذلك الحوادث التي قد تقع مثلما الحال في الايام الماضية، فينبغي تفعيل دور الأخصائي النفسي في المدارس وعلاج إشكالية النقص الذي يشهده الميدان التربوي من هذا التخصص نظراً لأهميته في مسيرة العملية التعليمية. هناك ضرورة ملحة لوجود مختص نفسي بكل مدرسة ليرصد أسباب هروب الطالب من المدرسة، وهل هي متعلقة بعلاقة الطالب بالبيئة المدرسية، أم ترجع إلى مشكلات في البيت وأساليب معاملة الوالدين، أو نقص الانشطة الجاذبة للطالب التي تسهم في بناء علاقة مستدامة بينه وبين مدرسته، وتعزز في نفسه حب الحضور والالتزام، هذا ما وصلت إليه الدكتورة غاية عيسى المختصة في علم النفس. التشخيص يجب أن يكون من خلال مقابلة الطالب مباشرة، وإذا تطلب الأمر يتم عمل دراسة له للوقوف على الأسباب الفعلية، ثم وضع برنامج إرشادي للتغلب على تلك المشكلة، ويمكن من خلالها استخدام الفنيات الإرشادية والامتيازات والأنشطة في تعزيز سلوك الانتظام في المدرسة، فضلاً عن استخدام أساليب العقاب في علاج مشكلة الهروب المدرسي. مهمة رسمية تلعب المدرسة دوراً حيوياً في تنشئة الطلاب، إذ تعد ثاني أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية بعد البيت، وعلى الرغم من ذلك نجد فئة من هؤلاء الطلاب تجد صعوبة في التوافق معها، وتشعر بالكراهية تجاه المدرسة، حيث يتعلق بعضها بالمحيط الدراسي، والآخر يتعلق بالبيئة المنزلية، هذا ما وصلت إليه التربوية مها عبد الرحمن. وجب على الأخصائي النفسي المدرسي أن يكون دائماً في مهمة رسمية لمواجهة مقومات تلك الظاهرة بين الطلبة، ومحاولة التعامل مع المسببات والتصدي لها، وفتح قناة اتصال مع الأسرة لتوعيتها، بمدى خطورة هذا السلوك في تهديد مستقبل ابنهما الأكاديمي والمهني مستقبلا، هذا ما أكده التربوي حمد بن علي. مسؤولية الهروب وفي رأيه أكد ولي الامر حمدان آل علي، أب لطالبين في المرحلة الثانوية، أن المدرسة والمعلمين يتحملون الجزء الأكبر من مسؤولية هروب الطلاب من مدارسهم، إما لإهمالهم وتقاعسهم عن رقابة الطلاب، وعدم تفقد الغياب، مع بداية كل حصة دراسية ما يجعل الفرصة ملائمة أمام الطالب للهروب دون خوف من عقاب رادع له، أو بسبب قسوة بعض المدرّسين وسوء معاملتهم لطلابهم وعدم استيعابهم وتوجيههم بطريقة تربوية سليمة ما يدفع الطلاب للهروب من مدارسهم، أو غياب الأخصائي النفسي الذي يلعب دوراً كبيراً في تقويم واحتواء مشاكل الطلبة. فيما ترى ولية الامر أم حمد، أن رفاق السوء من أهم أسباب هروب الطالب من مدرسته وخصوصاً أنه في مرحلة عمرية حساسة لا يستطيع فيها أن يدرك عواقب هروبه ويستطيع رفيقه استدراجه وإغراءه بالهروب من المدرسة والذهاب إلى أماكن مسليّة كمقاهي الإنترنت وصالات الألعاب لتدخين الأراكيل والتدخين، كما أن عدم تعاون المدرسة مع الأهل وإبلاغهم الفوري بهروب ابنهم من المدرسة يشجع الطالب على تكرار الهروب، مطالبة وزارة التربية والتعليم بتوفير مختص نفسي في كل مدرسة لمراعاة المتغيرات العلمية والفسيولوجية والنفسية للطالب في مراحل تعليمه. المتخصصون يسطرون روشتة لعلاج الظاهرة لم تمر ظاهرة الهروب من المدرسة، علينا مرور الكرام، لاسيما بعد ما أفرزته من نتائج تهدد أرواح الطلبة، حيث سطر المتخصصون عدداً من التوصيات للتصدي لتلك الظاهرة، أهمها تزويد مدارس الدولة بأخصائيين نفسيين من ذوي الكفاءة، بناء علاقات فاعلة بين المدرسة والاسرة، توفير حملات توعوية شاملة على مدار العام تتضمن سبل تقويم الأبناء في البيت والمدرسة، جعل البيئة المدرسية حيوية جاذبة للطالب وفق المتغيرات الحديثة، واستخدام أساليب علمية عالية الجودة في تحفيز وعقاب الطلبة، وعدم استخدام المدرسة كأداة لعقاب الطلبة.
مشاركة :