أين الأدب العربي... عالمياً؟

  • 2/2/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ما هي درجة حضور الأدب العربي في المشهد الثقافي العالمي؟ ما نسبة قراءة الكتب العربية، وخاصة الروايات، المترجمة إلى اللغات العالمية، وبشكل خاص الإنجليزية والفرنسية؟ لا تكاد تذكر. ما الذي يمكن فعله لتدارك ذلك؟ وما الذي يمكن أن تلعبه حركة الترجمة، والمواقع الإلكترونية المعنية بتداول الكتب على الإنترنت، وأيضاً دور النشر والملحقيات الثقافية بالخارج، لفتح نوافذ جديدة وحية لجذب القارئ الغربي إلى أدبنا، حتى يتعرف عليه بشكل حقيقي؟ هنا آراء مجموعة من الكتاب والمترجمين المصريين: - عمرو دوارة: مشكلة الترجمة الأدب العربي يمثل بتاريخه وحاضره جزءاً من منظومة الآداب العالمية يتأثر بها ويؤثر فيها. قد يختلف ذلك التأثير من فترة لأخرى هبوطاً أو صعوداً، لكنه في جميع الأحوال موجود ويمكن رصده وبالتالي لا يمكن نفيه بصورة مطلقة حتى في حالة هبوطه وانحداره إلى أقل مستوى، وطالما هناك تأثر وتأثير بصور مستمرة يصعب ترديد مقولة: «انعزال الأدب العربي عالمياً»، خاصة أن الأشكال والقوالب الأدبية متعددة، وعلى سبيل المثال قد ينعزل الشعر وتتواصل الرواية أو العكس، وقد تتأكد العلاقات وتتواصل التجارب في المسرح ولا يتحقق ذلك بالنسبة للدراسات النقدية والنظريات الأدبية، وقد تتوثق الصلات ويتم تبادل الخبرات في مجال القصة القصيرة مثلاً، وفي حين تضعف الصلات والروابط في مجال المسرح مثلاً. والحقيقة أن طبيعة وشكل هذا الانعزال أو على النقيض التواصل قد يختلف من فترة لأخرى، حيث من المفترض أن يتحقق ذلك التواصل المنشود من خلال وسيط أساسي وهو «الترجمة»، والتي تعتمد في نشاطها وازدهارها على عدة عوامل رئيسية من بينها توجهات الدولة بمؤسساتها المختلفة وأيضاً تشجيع ومبادرات بعض المؤسسات الخاصة بالإضافة إلى تلك المبادرات الفردية المهمة أيضاً والتي غالباً ما تعتمد على رصد رغبات المتلقي سواء جماعات أو أفراد. وبالتالي قد تتواصل الخبرات والترجمات في فترة ما في اتجاه الرواية أو القصة القصيرة، ثم في فترة أخرى يتم التوجه إلى ترجمة الإبداعات في مجال الخيال العلمي أو الأعمال الدرامية أو بمجال أدب الأطفال. وذلك بخلاف التوجه الأساسي الذي يحدد نوع وطبيعة الثقافة الأخرى التي يحبذ توطيد العلاقات بها والاستفادة من آدابها، سواء كان ذلك مرتبطاً بتميز مستوى الإبداعات ببعض الثقافات. - طارق الطيب: وهم العالمية الأدب العربي لم يكن يوماً في عصرنا الحديث ذا مكانة بارزة عالمياً، فالقول بانتشار «ألف ليلة وليلة» في الغرب، نرد عليه بأنهم استفادوا منها في نهجين، الأول كان في هضمها من قِبَل بعض المبدعين والاستفادة منها لخلق عوالم فنية جديدة ومبتكرة ظهرت في أعمالهم غير العربية، والثاني هو المتعة السحرية «الإكزوتيكية» التي ثبّتوها على الكِتاب في صورة سلبية توقفت عند التلذذ بعوالم الحريم والتهكم من سلوك السلاطين. على مدار أكثر من نصف قرن، لم تنتبه للأسف السياسات العربية للدفع بالدفق الثقافي الهائل واستخدامه في الغرب كقوة ناعمة سلمية تفِلّ دعاوى التفوق؛ فقد ركزت النظم العربية السياسية المستقلة وغير المستقلة على قشور ظنوا أنها مكاسب في أرض الخصم، خصوصاً على الصعيد العقائدي، وقد عشت بنفسي هذه التجربة، حين جهزتُ ملفات ثقافية عن الثقافة النمساوية العريقة، لأنقل صورة قيّمة حديثة، فطلب مني رئيس تحرير إحدى الدوريات العربية المرموقة، أن أفتش عن أشخاص نمساويين اعتنقوا الإسلام وأن أصورهم وأجري معهم حوارات! البلدان العربية لم تستطع اتباع سياسة ذكية حكيمة ليستفيد من تلك القوة الخارقة والناعمة للأدب والفن وتسويقها بالشكل المحترف، فكثير من السياسات لا تريد أصلاً نشر هذا الوعي في بلدانها، فكيف لها بأن تسوقه في الخارج. انعزل الأدب العربي عن المشاركة الحقيقية عالمياً، ليلقى اللامبالاة ولتستغل كثير من دور النشر الغربية الموضوعات التي ذكرتها أعلاه (الحريم والسلاطين)؛ أي التركيز على الموضوعات النسوية التي تأتي من عالمنا الأسطوري، خصوصاً تلك المليئة ببهارات الصلاحية الغربية وصور اضطهاد المرأة ومعها الصورة الأخرى للتسلط السياسي، لتصدير الصورتين في المشهد الأدبي والاجتماعي ومن قبلها السياسي بالطبع. هناك أيضاً صورة أخرى محرجة لكل هذه الملحقيات الثقافية العربية بميزانياتها الضخمة التي توجد في كل دول الغرب؛ الملحقيات القاصرة عن تقديم الصورة المضادة الواعية عن قرب باعتبارها أهم حلقات الوصل، فلا نجد الأسماء الأدبية والقامات الرفيعة حاضرة في الملتقيات المهمة، بل هناك قوائم معظمها أسماء واهنة ليس لديها أدنى قوة للتمثيل ولا مكان للشباب النابض وتمثيلهم الضروري، وتلعب الصداقات الضيقة والمعارف أدوار التمثيل الواسعة عليها، فتقدم واجهة بائسة للثقافة العربية. حتى اختيارات التمثيل المعاكس من داخل هذه البلدان لا قيمة حقيقية له، فالصور السياحية التي تُقدَّم ومبالغات المديح والصور الفوتوغرافية للتملق التاريخي، لن تخلق تواصلا حقيقيا عميقا في إطار التبادل الفني والثقافي السامي. كثير من هذه الملحقيات الثقافية تقوم في الأساس بدور الاهتمام بالدارسين من المبعوثين إلى الجامعات الغربية وترتب لهم أمورهم، أما عن الثقافة والأدب والفن فحدِّث ولا حرج. - أشرف الصباغ... تراجع ومراجعة هناك موجة كساد أو تراجع على مستوى العالم كله في مجال الأدب والثقافة المرتبطة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية، ترجع أسبابها إلى أولويات المجتمعات، وأولويات الحضارة الحديثة التي ترتكز على وسائل الاتصال والعلوم والتقنيات الرفيعة، وعلى الكثير من العلوم الأخرى ذات السمات الرفيعة والنادرة. الأدب يتعرض في العالم كله إلى حالة من التراجع والمراجعة. وربما كون هذه المرحلة عبارة عن مرحلة انتقالية بين حضارتين، الأمر الذي يملي على الجميع قطع شوط من مراجعة الأشكال والمفاهيم والمضامين والمقاصد الإنسانية من جهة، ومثيلاتها الأدبية من جهة أخرى. وإذا شئنا الدقة، فالأدب المكتوب بالعربية خلال السنوات العشرين الأخيرة، هو أدب جيد على مستوى الكيف والنوع بالمقارنة مع آداب كثيرة بلغات أخرى. كما أنه رغم وجود مشاكل وعقبات عديدة في المجتمعات العربية عموماً، وفي أوساط المثقفين والأدباء على وجه الخصوص، فإن إيقاع إنتاج الأدب ومستواه جيدان للغاية ويعطيان انطباعاً جيداً يدفع للتفاؤل. هناك أولويات بالنسبة للمرتكزات والعوامل الأساسية التي تقوم عليها الحضارة الحديثة. وبالتالي، فما نراه ليس تراجعاً للأدب ولا لقيمته، وإنما هناك تبديل للأولويات إلى أن تستقر الأمور، وتبدأ المجتمعات بوعيها الجديد، وبوعي نخبها من شرائح الإنتلجسيا، في إنتاج واستقبال أشكال أدبية ومعرفية وثقافية وفنية ملائمة لتطورها الإنساني والحضاري. هذه مجرد مرحلة انتقالية تتسم بفوضى المفاهيم والأشكال والقيم، وبالعديد من أوجه الفساد الثقافي - المعرفي المرتبط بالفساد السياسي - الآيديولوجي. هذان الشكلان من الفساد يعمان العالم كله الآن، ويتصارعان مع رغبات وطموحات ومساعي العديد من النخب التي تعاني الأمرين في مواجهة غير متكافئة مع كل أسباب الفساد والانحطاط والرداءة. ولكنني أستطيع أن أؤكد بكل ثقة وتفاؤل بأن الإنسانية بشكل عام لا يمكن أن تتراجع أمام أي فساد من أي نوع. إنها ببساطة مرحلة انتقالية تشبه «سفينة نوح» التي كانت تضم القرد إلى جانب الحمار والنسناس والثعلب والبغل والنمر والأسد والزرافة! الأدب المكتوب بالعربية في حالة تطور وارتقاء، مقارنة بآداب أخرى في لغات أخرى كثيرة. كل ما هنالك أن هناك عدم تنسيق بين الجماعات الثقافية، وهناك صراعات - منافسات غير شريفة وغير منطقية تتداخل فيها عوامل وعناصر تضر بالعملية الإبداعية ككل لدى المبدعين الناطقين بالعربية، سواء كانوا داخل بلادهم أو خارجها. - رانيا خلاف... آليات كسر العزلة التساؤل عن انعزال الأدب العربي يقتضي تساؤلات مضادة. على سبيل المثال ما المقصود بالعزلة؟ وما شروطها وهل يمثل الانعزال ذاته مشكلة حقيقية لمبدع عربي؟ الانعزال يقتضي شروطاً لزواله وتفاعلاً ثقافياً من الجانبين المبدع العربي والمتلقي أو الناشر العالمي أينما وجد. يقتضي تفعيل آلية الترجمة بشكل احترافي وممنهج. السؤال هنا إذن، هل هناك آليات تدعم هذه العزلة أو تنفيها؟ بالنسبة للكاتب العربي ليس لديه من آليات لكسر هذه العزلة. يكمن الأمر بشكل كبير في جعبة الناشر وعلى طاولته. في معظم الحالات لا يحرك الناشر ساكناً. ليس ثمة سعي وراء النشر أو المشاركة في فعاليات عالمية أو الاقتراح. المراكز الثقافية التابعة للسفارات الأجنبية لها دور أيضاً في التقاط المبدع المختلف. ليس ثمة مبادرات سوى من عدد قليل من المؤسسات مثل مركز الترجمة التابع للجامعة الأميركية وهو يهتم بعناوين بعينها، ولا يهتم على سبيل المثال بترجمة الشعر. الترجمة العكسية من العربية إلى لغات أخرى مشروع لم يكتب له النجاح محلياً. عالمياً ترجمت العديد من النصوص الأدبية العربية الهامة للغات مختلفة من قبل مترجمين عالميين، لكن الأمر لا يخضع لاستراتيجية منظمة. لكن، هل العزلة برغم ذلك يمكن مشاهدتها من طرف واحد؟ أعتقد أننا جميعاً، عالمياً، منعزلون بشكل أو بآخر. منذ سنوات عديدة... في زيارة لي للولايات المتحدة، كنت أندهش من العزلة التي يعاني منها القارئ الأميركي. هم لا يعرفون شيئاً خارج حدود الوطن واللغة. لا يحتاجون للتفاعل مع ثقافات أخرى. حينما يشعر المرء بالاكتفاء والقوة لا يهتم كثيراً بالنظر من النافذة، لا يهتم بالغرباء. هكذا فهمت الأمر. في المقابل، كشاعرة، ومترجمة، لم أسع من قبل لترجمة نصوصي. لا أدري ما العزلة... أعرف فقط أن النص الذي أكتبه حي ما دام انطلق من رأسي. ربما يصل في وقت ما لقارئ غير متوقع.

مشاركة :