عندما تكون في زيارة إلى إيطاليا، وتجول في بعض المدن الإيطالية، فأنتَ تشاهد مناظر ومواقف سمعت أو قرأت أو شاهدت عنها حتمًا، ولكنك كنت تتوق يومًا إلى أن تتحسّسها بحواسك الخمس، فلن يكفيك أن تراها فقط، فذلك يمكن أن تفعله على شاشة هاتفك أو في التلفزيون أو السينما، ولكنك كنت مصرًّا على أن تتذوَّقها وأن تلمَسها وأن تشمَّها بنفسك؛ لكي تتأكد مما نُقل إليك أو شاهدته في البلد الذي يعتبر الأكثر استقطابًا للسياح في أوروبا. .. وعندما تعود إلى ديارك، فإنك تعود محمّلاً بكم كبير من الذكريات والمواقف الجميلة، وتواجهك الأسئلة المعتادة من الأهل والأصدقاء والمعارف: هل تذوّقت البيتزا الإيطالية؟! هذا أول سؤال يواجهك! كيف هي الباستا الإيطالية؟! هل زرتَ أشهر مطاعم البيتزا في روما مثل «dieci dodice 50» أو «pizza e mozzarella» أو «golfo di Napoli» أو «italia dal 1987».. إلخ. فتحاول أنْ تجيب باقتضاب حتى تفتح شهيّة السائل أكثر وأكثر، وهو بدوره يحاصرك أكثر، حتى تتمنى وقتها لو أنك أخذته معك حينها ليعيش التجربة بنفسه وتتجنّب أسئلته اللحوحة وشهيّته المفتوحة على الآخر!! تحاول أنْ تلتقط أنفاسك، لكن يبادرك آخرون من عشّاق كرة القدم: هل زرت نادي «إي سي ميلان» أو نادي «يوفنتوس» أو «إنتر ميلان» أو «نابولي»؟ وهل حضرت أي مباراة كرة قدم؟ هل صوّرت مع جيورجيو كيلليني، ليوناردو بونوتشي، فيراتي، إينسيني ماركيسيو، وأنت تحاول أنْ تُشبع فضول من حولك بإطلاعهم على بضع صور السلفي أمام بوابة أحد الأندية الإيطالية!! في إحدى الزوايا هناك مجموعة يبدو أنها غير مكترثة بالحديث عن الرياضة، لكنها كانت تتحيّن الفرص، وفجأة تنهال عليك الأسئلة «منهن» مع نظرات مشدودة وآذان صاغية تتحيّن الإجابة: هل زرتَ غوتشي، برادا، فندي، ارماني، روبرتو كافالي، دولشي اند جابانا أو موسكينو؟ وغيرها الكثير من أنواع الموضة والتصاميم الإيطالية الفريدة، والتي تعبّر عن مستوى الرقي والجمال، فهذا هو الشغف الكبير من الجميع بالموضة والتصاميم الإيطالية في شتى أنحاء العالم. وعند جلوسك مع النخب فإن الحديث يطول عن الفن والسحر والجمال الإيطالي والمدن الزاخرة بالتاريخ وأجمل لوحات الرسامين والمتاحف والقلاع والكنائس التاريخية.. مثل متحف الفاتيكان، متحف الحضارة الرومانية، قلعة سانت أنجلو، قصر ديورا بامفيليج، كاتدرائية القديس بطرس، متحف ليوناردو دافنشي.. والقائمة تطول وتطول، وكلها تدل على عظمة إيطاليا. إن إيطاليا بلد صناعي كبير ومن مجموعة العشرين، ولكن هكذا يعرف الكثيرون إيطاليا، هذا البلد الذي يقدم مثالاً متميزًا على كيفية إدارة القوة الاقتصادية الناعمة، حتى أصبح هذا البلد العلامة التجارية الأولى في أوروبا، إن إيطاليا هذه.. تاريخ عريق وحضارات تصل إلى أكثر من ثلاثين ألف عام، هذا البلد الممتد في البحر الأبيض المتوسط والمتنوع بحضاراته وثقافته وفنّه وحتى بمطبخه المشهور والمحبوب في العالم، وكرة القدم الإيطالية المعروفة بمدرستها الفنية، مركز التصميم والأزياء الأشهر في أوروبا، إيطاليا هذه هي حالة متفرّدة في أوروبا كتفرّد موقعها الجغرافي الذي أتاح لها أن تكون أوروبية بنكهة شرق أوسطية. وما يميز إيطاليا هو أنها مزيج من الحضارات البشرية الذي نتج عنه تاريخ غني ومتنوع وراقٍ، ويبرز ضمن ذلك أيضًا جانب من التراث العربي والإسلامي الذي يعود إلى القرن السابع الميلادي، خاصة ما يتعلق ببعض التنظيمات والمصنفات والمناهج العلمية، وحتى في ثنايا الأعراف والتقاليد السائدة في الحياة الاجتماعية الإيطالية. إيطاليا هذه.. يبدأ صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد زيارة رسمية لها اليوم تترقبها الأوساط الإيطالية باهتمام؛ لأنها تعكس توجهًا جديدًا في الشراكة فيما بين البلدين، وتوفر فرصًا فريدة مع هذا البلد. إن سمو ولي العهد يُرسي اليوم بزيارته إلى عاصمة الفن والجمال أبعادًا سياسية واقتصادية وثقافية جديدة في علاقات البحرين الخارجية، علاقات مع بلد روابطنا معه قديمة ومجالات التعاون كبيرة وواسعة تشمل النفط وتقنية المعلومات والاتصالات، المصارف والتمويل، الإنشاءات والبنية التحتية، ائتمان التصدير وقطاع التأمين، الهندسة، صيانة المنشآت الصناعية، إلى جانب قطاع الأغذية الزراعية، وغيرها الكثير من المجالات. وحقيقة؛ فإن لقاءات عدّة جمعت القطاع الخاص البحريني والإيطالي من خلال الزيارات المتبادلة، إلا أن هذه اللقاءات تحتاج إلى دفعة أكبر، إذ إن إيطاليا بلد غني بالإمكانات الكبيرة التي يمكن الاستفادة منها، فيما البحرين بالمقابل تمثّل مركزًا ماليًّا ومصرفيًّا عالميًّا مرموقًا، بالإضافة إلى كونها تمثل بوابة للمنطقة ولشرق آسيا، وبالتالي فإنه يمكن الانتقال من أشكال متخصصة جدًا من التعاون التي تكاد تتركز في البنوك والهندسة والنفط والثقافة، إلى أشكال أخرى متنوعة بين الجانبين، والاستفادة من الفرص التي تتيحها هذه الزيارات التي تأتي على أعلى المستويات. والعالم بأجمعه يواجه تحديات صعبة، وسمو ولي العهد بمبادراته هذه يكرّس ريادة البحرين في البحث عن فرص جديدة تفتح أبوابًا كبيرة وواعدة للتعاون، في ظل التطورات العالمية التي تتعلق بالاقتصاد الرقمي والمعرفي وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، والتي نتطلع إلى أن يأخذ القطاع الخاص مبادرات أكبر في إقامة شراكة فاعلة في هذه المجالات تلبّي التطلعات والطموحات. روما - عيسى الشايجي
مشاركة :