منذ ما يقارب العامين ونحن نسمع بصفقة القرن التي تحدث عنها الرئيس ترمب، منذ ذلك التاريخ وكل ما نسمعه مجرد اجتهادات وسيناريوهات فيها من الخيال الكثير، غالبية المتناولين لهذه الصفقة كانت تحليلاتهم منبعها الواقع الحالي الذي تعيشه القضية الفلسطينية، سواء بفكرة أن الأردن وطن بديل، علما أن ثلثي الشعب الأردني من أصول فلسطينية، وبالتالي واقع حال، كذلك الحديث عن دولة جديدة في غزة، وأعتقد أن حماس قد قررت هذه الدولة ومارست صلاحياتها فيها بشكل منفرد وبدعم خارجي، أما فيما يتعلق بتقسيم الأرض بنظرية حل الدولتين فكلها من واقع الحال تقول إن إسرائيل ككيان يعترف به الغرب وبعض العرب، ستتنازل عن أجزاء من الأرض مقابل السلام، وإن أتت الصفقة مؤخرا كما أعلن عنها بأن هنالك أراضي ستكون لإسرائيل بالتنازل عنها فلسطينيا، علما أنها فعليا تقع تحت سيطرة إسرائيل. لن أخوض في غمار التفاصيل، لأن الجواب واضح من عنوانه، إنها صفقة، وللصفقة أطراف، ولكي تتم لا بد أن توافق كل الأطراف، لعل الجديد في طرحها أنها مختلفة عن مبادرات سلام سابقة، الصفقة هنا اختصرت الأطراف بطرفين، هما الفلسطينيون والإسرائيليون، وبالتالي لكي تتم لا بد أن يوافق الطرفان، ومن عالم المال والأعمال الذي يتقنه الرئيس الأمريكي بامتياز، فإن أي صفقة ناجحة لا بد أن يكون أطرافها كلهم رابحين وإن اختلفت النسب، لكن مع طرف رابح وطرف خاسر فهذا لا يسمى صفقة، بل سطوة. بعض الذين يتشدقون الآن برفض الصفقة جملة وتفصيلا بعد إعلان تفاصيلها هم أنفسهم الذين رفضوها حين كانت مجرد كلمة خرجت من فم ترمب، وهم أنفسهم الذين وضعوا السيناريوهات ورفضوها، هم الذين قسموا العالم العربي إلى: مع الصفقة وضد الصفقة، قبل أن نعرف ما هي الصفقة أساسا، بل إن كثيرا منهم اتهم منظومة الكتلة العربية المتحالفة بأنها من تمون الصفقة ومن يدعمها، وحين تسألهم: حسنا ما هي الصفقة؟ يقولون لك تفاصيل غريبة عجيبة، وفي نهاية حديثهم يؤكدون أنها سرية لا يعلم بها إلا ترمب وكوشنر والنتن ياهو، وتستغرب هنا، هل أطلعوهم عليها أم كيف وصلتهم إذن؟! تابعت ردود الأفعال خاصة المدعومة إعلاميا، سواء من الجزيرة القطرية أو الإخوانية أو التركية أو الإيرانية، كلها تؤكد رفضها للصفقة، وفي الوقت نفسه تتهم العرب الآخرين بأنهم وراء الصفقة وأنهم مؤيدون لها، وحين تقول لهم إن الموقف العربي عموما هو أن القرار قرار الفلسطينيين أنفسهم، ما يقبلونه نقبله وما يرفضونه نرفضه، واجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب وتصريحات المسؤولين في الدول العربية كلها تؤكد دعمها للموقف الفلسطيني، هذه صفقة إن أعجبتكم وقبلتموها فنحن معكم، وإن رفضتموها فنحن معكم، لا سلام ولا تطبيع بالمجمل - من غير الموقعين اتفاقيات رسمية مع إسرائيل - إلا إذا اتفق الفلسطينيون وقبلوا، لا جديد والدعم مستمر لن يتوقف. ما يجب الوقوف عليه حاليا قبل أي شيء هو تحديد من هم الفلسطينيون المعنيون بقولنا: إن قبلوا قبلنا، الموقف الرسمي العام يكون الحديث فيه عن السلطة الفلسطينية، ولكن الموقف الفلسطيني العام نفسه يتحدث عن تيارات وفصائل ومنظمات وتبعيات، كل يغرد على هوى من يسقيه ماء، إن قبلت السلطة لن تقبل حماس، وإن قبلت حماس لن تقبل الجبهة الشعبية وهلم جرا، وبالتالي فإن على الفلسطينيين الآن أن يبحثوا عن صفقة تجمعهم وتحدد وتوحد موقفهم، وكل من سيخرج عن السرب يعلن على الملأ أنه لا يمثل الشعب الفلسطيني وأنه منبوذ. والأمر الآخر فيما يتعلق بموقف السلطة الفلسطينية، ألم يكن الأجدر أن تقدم رأيها ومقترحاتها وترد الصفقة إلى ترمب بتفاصيل جديدة (قديمة بشهادة أوسلو)، هذه صفقة وترمب يفهم أنه في كل صفقة لا بد من أخذ ورد، لكن الرفض المجمل التفصيلي للفكرة نفسها حقيقة لا أراه منطقيا، لأن أوسلو وواي ريفر وغيرها كانت كلها صفقات تمت بموافقة الأطراف المشتركة، وهذه كتلك، المهم أن ترد بفكرة وليس برفض مطلق، لأن الرفض المطلق يجعلنا نشك أن هنالك ما خفي، وهو أعظم، وأن هذه ليست صفقة مقترحة، وإنما اتفاق تم وانتهى.
مشاركة :