تحاول فرنسا قطع الطريق على كل استغلال لتاريخها المشترك مع الجزائر لاسيما من قبل تركيا التي أرادت هذا الملف ورقة تتقرب بها من السلطة الجديدة في الجزائر وترد على اتهامها بإبادة الأرمن. ويرى متابعون أن فرنسا تحاول سحب ملف تاريخها الاستعماري في الجزائر من المزايدة التركية التي تسعى إلى توظيف هذه القضية الحساسة ردا على إثارة الفرنسيين للمجازر المرتكبة من قبل تركيا في حق الأرمن. واعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأحد أن القيام بـ”عمل على الذاكرة” مرغوب فيه بين فرنسا والجزائر بحيث يتناول “كيفية عيش الطرفين” للحرب، ويتزامن هذا التصريح مع توضيح صدر عن الخارجية الجزائرية تؤكد فيه أن كلام الرئيس عبدالمجيد تبون في ما يتعلق بتاريخ الجزائر قد “أخرج من سياقه” من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو ما أثار ضجة في وسائل الإعلام العربية والدولية. وذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية الجزائرية “فوجئت الجزائر بتصريح أدلى به رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان نسب فيه إلى رئيس الجمهورية حديثا أخرج من سياقه حول قضية تتعلق بتاريخ الجزائر”. وأكد البيان “بداعي التوضيح، تشدد الجزائر على أن المسائل المعقدة المتعلقة بالذاكرة الوطنية التي لها قدسية خاصة عند الشعب الجزائري، هي مسائل جد حساسة، لا تساهم مثل هذه التصريحات في الجهود التي تبذلها الجزائر وفرنسا لحلها”. ويعد التوضيح الجزائري تعقيبا على تصريح أدلى به أردوغان ضمن خطاب ألقاه أمام أعضاء حزبه العدالة والتنمية في أنقرة الجمعة وقال فيه إنه طلب من تبون تسليمه “وثائق تخص المجازر الفرنسية خلال الفترة الاستعمارية للجزائر”. وقال أردوغان “لقد أبلغت الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، أن الرئيس الفرنسي ماكرون لا يعرف شيئا عن هذه المجازر وسأقدم له هذه الوثائق لأنهم قاموا بهذه المجازر في الماضي بالجزائر”. وتابع “الرئیس الجزائري قال لي بأن فرنسا قتلت 5 ملايين جزائري”، مضيفا “علینا أن ننشر هذه الوثائق لیتذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده قتلت 5 ملايین جزائري”. وجاء تصريح لودريان، في حوار مشترك لوسائل إعلام فرنسية، ردا على الجدل الذي أثارته تصريحات أدلى بها مؤخرا الرئيس إيمانويل ماكرون مقارنا بين فترة استعمار الجزائر واعتراف فرنسا في 1995 بالمسؤولية عن ترحيل يهود إبان الحرب العالمية الثانية. وقال لودريان “المحرقة النازية لليهود جريمة لا تطاق ولا يمكن مقارنتها بشيء آخر في أي مكان، يجب الاعتراف بها كما هي”، لكن “السؤال الذي يطرح في العلاقات بين فرنسا والجزائر حول الذاكرة وكيف عاش الطرفان هنا وهناك النزاع، مطروح. ويجب أن نعمل معا على الذاكرة”. ومنذ بداية ولاية ماكرون، تدخل الرئيس الذي ولد بعد فترة من الحرب العالمية الثانية، عدة مرات في هذا الحيز التاريخي الحساس، عبر تكريم ما يعرف بـ”الحركيين” (جنود محليون في خدمة فرنسا)، أو عبر الاعتراف بأن موريس أودين عالم الرياضيات المؤيد لاستقلال الجزائر والذي اختفى في 1957، كان “قضى تحت التعذيب على يد النظام الذي كانت تقيمه حينها فرنسا في الجزائر”. وأثارت تصريحاته الأخيرة احتجاجات خصوصا لدى اليمين الفرنسي. ودعا لودريان إلى التفكير “بذهن صاف بما في ذلك مع مؤرخين جزائريين”. وقال ماكرون الخميس أن على باريس مراجعة ذكرى حرب الجزائر (1954-1962) لإنهاء “نزاع الذاكرة” الذي “يجعل الأمر بالغ الصعوبة في فرنسا”. ورأى وزير الخارجية أن “لدينا في الجزائر وضعا جديدا بالكامل سيؤدي بالتأكيد إلى تطورات مهمة في هذا البلد”، في إشارة إلى انتخاب الرئيس تبون. وأضاف “هناك آفاق جديدة ترتسم للعلاقات بين فرنسا والجزائر. وإذا كانت الذاكرة المشتركة ضمن هذا الأمر الجديد، سيكون ذلك نبأ سارا للجميع”. ويعتبر مراقبون أن تصريح لودريان يأتي في سياق محاولات فرنسا استمالة النظام الجزائري الجديد بورقة الذاكرة، لاسيما مع تقارير وتسريبات تقول بأن هناك ضغوطا فرنسية تمارس على السلطة الجزائرية الجديدة لضمان مواقف ووجهات نظر متقاربة في بعض الملفات والقضايا الإقليمية في محاولة لإعادة تدوير الدعم الفرنسي لمحيط الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
مشاركة :