ثمة رأيان بشأن العلاقة بين التغيرات في أسعار الأصول والدورات الاقتصادية، خصوصا حالات الركود. ويقول أحد هذين الرأيين إن فترات الركود غالبا ما تسبقها أو تتزامن معها تصحيحات في أسعار الأصول. فانهيار سوق الأسهم عام 1929 والكساد الكبير، وانهيار أسعار الأصول في أوائل التسعينيات وما تلاه من ركود في اليابان، وانهيار أسعار الأصول العالمية عام 2008 والركود الكبير هي بعض الحالات الأكثر وضوحا لفترات الركود التي سبقتها تصحيحات في أسعار الأصول. ويقول الرأي الآخر إن أسعار الأصول يمكن أن تتقلب بدرجة مفرطة يتعذر معها اعتبارها مؤشرات نافعة للتنبؤ بحدوث ركود. والانهيار الحاد في سوق الأسهم عام 1962 لم يكن له أثر يذكر في زعزعة التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة. وبالمثل، لم يؤثر انهيار سوق الأسهم في أكتوبر 1987 بصورة كبيرة في النشاط الاقتصادي الأمريكي، على الرغم من وجود تنبؤات بحدوث ركود حاد عام 1988. ويقول أصحاب هذا الرأي إن تغيرات أسعار الأصول تعزى غالبا إلى تغيرات توقعات المستثمرين المفرطة في تفاؤلها أو تشاؤمها وبالتالي تكون مؤشرات ضعيفة على الدورة الاقتصادية. ويثير هذان الرأيان بعض المسائل المهمة بشأن العلاقة بين أسعار الأصول والدورة الاقتصادية. فماذا تقول النظرية؟ وهل تدل البيانات على هذه النتائج الضمنية؟ وهل تفيد تصحيحات أسعار الأصول في التنبؤ ببداية ركود؟ ولإلقاء الضوء على هذه الأسئلة، سنقوم أولا ببيان تنبؤات النظرية الاقتصادية بشأن العلاقة بين أسعار الأصول والدورة الاقتصادية والبحث فيما إذا كانت تؤيدها بيانات للاقتصادات المتقدمة لمجموعة السبع -كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة- على مدى العقود الأربعة الماضية. وسنقوم بعد ذلك بتقييم ما إذا كانت أسعار أصلين رئيسين -الأسهم والمساكن- مؤشرات مفيدة للتنبؤ ببدايات الركود في هذه الاقتصادات وتقصي أثر هذه الأسعار في القوة التفسيرية عندما تدرج في التحليل متغيرات أخرى يشيع الاعتقاد بأنها مرتبطة بالدورة الاقتصادية. من حيث النظرية توجد أسباب كثيرة وراء إمكانية ارتباط حركات أسعار الأصول بالدورة الاقتصادية. فأولا، تؤثر أسعار الأصول في صافي ثروة الأسر المعيشية وقدرتها على الاقتراض، وهو ما يمكن أن تكون له آثار مهمة على الخطط الاستهلاكية للأسر المعيشية. وثانيا، طبقا لنسبة توبين Tobin’s q ينبغي أن يتحرك الاستثمار في اتجاه q نفسه، التي هي نسبة القيمة السوقية لرأس المال إلى تكلفة إحلاله. وبالتالي ينبغي أن يكون الاستثمار مرتفعا عندما تكون أسعار الأصول التي ترتبط بصورة مباشرة بالقيمة السوقية لرأس المال مرتفعة والعكس صحيح. وثالثا، يمكن أن تؤثر التغيرات في أسعار الأصول في الميزانيات العمومية للشركات، فتضر أو تفيد ضماناتها وجدارتها الائتمانية وبالتالي تزيد أو تنقص من استعدادها للاستثمار وقدرتها على ذلك. ويمكن أيضا أن تؤثر حركات أسعار الأصول في الميزانيات العمومية للمصارف بحفزها على تعديل رأسمالها وأنشطتها الإقراضية. ويمكن أن تتعاظم هذه الآثار من خلال الأسواق المالية عندما تكون هناك فروق في المعلومات المتاحة للمقترضين والمقرضين وتكون قدرة المقترضين على الالتزام بالسداد محدودة. وأخيرا، حسب معادلة الأصول - التسعير الأساسية في المالية، ينبغي أن يكون سعر الأصل مساويا للقيمة المخفضة لعائده الحالي وعائده المتوقع في المستقبل. وفي حالة الأسهم، تكون الأرباح الموزعة هي العائد المقصود؛ وفي حالة المساكن، يكون العائد هو القيمة الإيجارية. وبقدر ما تتحرك العوائد معا أو قبل وقوع أوضاع اقتصادية معينة، ينبغي أن تكون أسعار الأصول مفيدة في التنبؤ بالنشاط الاقتصادي. وتشدد الحركات في سعر الخصم الذي يطبق على تيار العوائد المستقبلية لاشتقاق القيمة الحالية هذه العلاقة إذا كانت تعكس سعي المستثمرين لتحقيق عائد فخلال فترات توسع النشاط الاقتصادي يقدم المستثمرون على قدر أكبر من المخاطر، بخفض سعر الخصم والمزايدة على سعر الأرباح الموزعة أو تدفقات الإيجار الثابتة، بينما يقومون بعكس ذلك تماما في فترات الانكماش الاقتصادي. ومن هذه المناقشة، نشتق اثنتين من النتائج الضمنية المهمة بشأن العلاقة بين أسعار الأصول والدورة الاقتصادية. فأولا، ينبغي أن تتحرك أسعار الأصول بالتوازي مع الناتج الحقيقي، أي: ينبغي أن تكون مسايرة للاتجاهات الدورية. وثانيا، ينبغي أن تكون أسعار الأصول مؤشرات استشرافية للدورة الاقتصادية. وهل تدل البيانات على هاتين الخاصيتين؟ سنتقصى هذه المسألة باستخدام بيانات لاقتصادات مجموعة السبع، ومتوسط المعاملات المعاصرة ومعاملات ارتباط التقاطع الاستشرافية للتغيرات في أسعار الأصول الحقيقية ونمو الناتج في هذه الاقتصادات ... يتبع.
مشاركة :