التنبؤات .. مستقبل وردي «1من 3»

  • 10/1/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

التفاؤل من طبيعة البشر. وغالبا ما نتوقع أن الأمور ستنتهي على نحو أفضل مما تنتهي عليه في كثير من الأحيان. وتقول تالي شاروت الإخصائية في علم الأعصاب في كتابها التميز للتفاؤل: "إن الأشخاص يهونون بشدة من احتمالات الطلاق، أو فقدان عملهم، أو يبين التشخيص أنهم مصابون بالسرطان؛ ويتوقعون أن أطفالهم سيكونون مواهب فذة؛ ويتصورون أن إنجازاتهم ستكون أكبر من إنجازات أقرانهم، ويبالغون في تقدير أعمارهم المرجحة". والاقتصاديون ليسوا بمعزل عن هذا التحيز للتفاؤل وهو الاعتقاد أن المستقبل سيكون دائما بجودة الماضي نفسها أو الحاضر أو حتى أفضل. ويمكن أن يؤثر ذلك في الطريقة التي يتنبأون بها بالنمو الاقتصادي، ولا سيما على مدى آفاق اقتصادية أطول أجلا. وقد تمتع عدد كبير من الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بفترة ممتدة من النمو الاقتصادي الملحوظ. وعلى سبيل المثال، في الفترة بين عامي 2003 و2013، زاد نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الصين "بعد تعديله لمراعاة التضخم بمعدل متوسطه 9.6 في المائة، وحققت نيجيريا أكبر اقتصاد نام في إفريقيا، أداء جيدا أيضا عند 5.8 في المائة. وكانت هذه الأخبار سعيدة بالنسبة للاقتصاد العالمي وانتشلت الملايين من هوة الفقر. لكن حتی متى سيدوم هذا الأداء الاستثنائي؟ غالبا ما تتنبأ التوقعات بأن النمو السريع سيستمر في الأجلين المتوسط والطويل لأصحاب الأداء المتميز مثل الصين ونيجيريا، لكن من الناحية التاريخية، فإن الارتباط بين معدل نمو البلد في عقد معين والعقد التالي ضعيف. بعبارة أخرى، لا يمثل النمو السابق عاملا جيدا للغاية للتنبؤ بالنمو المستقبلي على مدى فترات أطول. يخضع النمو الاقتصادي، مثل أشياء كثيرة في الحياة للحالة الطبيعية من المد والجزر، ففي أواخر ثمانينيات القرن الـ19، بين الإحصائي الإنجليزي فرنسيس جالتون أن أبناء الرجال طوال القامة غالبا ما يكونون أقصر قامة من آبائهم. ولوصف هذه الظاهرة ابتكر مصطلح "الارتداد إلى المتوسط" وبالمثل، غالبا ما يتبدد أداء النمو الاستثنائي. ومع ذلك، فكما بين الاقتصاديان لانت بريتشيت ولورنس سامرز أخيرا، قد يغفل معدو التنبؤات مراعاة "الارتداد إلى المتوسط". وبإمعان النظر في تنبؤات النمو التي يعدها المختصون على آفاق تصل إلى 20 عاما لمجموعة كبيرة من البلدان، يتأكد لنا وجود تحيز واسع النطاق للتفاؤل، وتمثل تنبؤات النمو الاقتصادي في الأجل "المتوسط " خمسة أعوام مثلا" وما بعده مدخلا بالغ الأهمية، وإن كان كثيرا ما يتم تجاهله في صنع السياسة الاقتصادية وخيارات الشركات الاستراتيجية. ومن المعروف أيضا أن هناك صعوبة في وضع تنبؤات جيدة، ولا سيما مع طول فترة الأفق. إلا أن القرارات التي تنبني على تنبؤات خاطئة يمكن أن تكون لها آثار ضارة في مختلف جوانب عملية صنع السياسة الاقتصادية الكلية وفي الخط السفلي في ميزانيات الشركات متعددة الجنسيات والمستثمرين الدوليين. ولننظر مثلا إلى صانعي سياسات المالية العامة، المعنيين بالإنفاق والضرائب. يعني التقدير المبالغ فيه للنمو الاقتصادي في المستقبل تهوينا في تقدير نسبة الدين الحكومي إلى إجمالي الناتج المحلي في نهاية فترة التوقعات. ونتيجة لذلك، ينتهي الحال بالبلد إما بزيادة في نسبة الدين عن المستوى المتوقع، وهو ما قد يؤدي إلى أزمة مالية، أو باضطرار صانعي السياسات مستقبلا إلى تشديد السياسة المالية العامة بصورة فجائية وهو ما تترتب عليه عواقب تربك الاقتصاد. وفي واقع الأمر، يمكن أن تفسر فترات بطء النمو غير المتوقعة جزءا كبيرا من الزيادة في نسب الدين العام خلال فترات من قبيل أزمات الديون في أمريكا اللاتينية وغيرها من اقتصادات الأسواق الصاعدة في الثمانينيات، وأزمات البلدان الفقيرة المثقلة بالديون في التسعينيات، وأخيرا الأزمة المالية التي وقعت في الفترة 2008-2009 في الاقتصادات المتقدمة. وبالنسبة لمحافظي البنوك المركزية، يمكن أن تؤدي أي افتراضات غير صحيحة عن النمو في الأجل المتوسط أو الطويل إلى أخطاء في تقدير حجم فجوة الناتج، أي الفرق بين ما يستطيع الاقتصاد إنتاجه على أساس مستمر غير تضخمي وما يقوم حاليا بإنتاجه "مقياس الدرجة تراخي النشاط في الاقتصاد، ومن ثم تحديد الموقف النقدي المناسب". وعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي تراجع النمو المستمر في الأجلين المتوسط أو الطويل، الذي يتصور بالخطأ أنه تباطؤ مؤقت في الناتج، إلى قيام محافظي البنوك المركزية باعتماد سياسة نقدية توسعية بصورة مفرطة مقارنة بما قد يعد موقفا مرغوبا، بعد وقوع الأحداث، مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من آثار في التضخم أو الاستقرار المالي ... يتبع.

مشاركة :