الدوحة – قنا : خطت الأسرة الدولية خطوات متقدمة على طريق فتح الطريق أمام العدالة كي تأخذ مجراها فيما يتعلق بمأساة أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار، فقد بدأ وفد من المحكمة الجنائية الدولية زيارة لمخيمات لاجئي الروهينغا ببنغلاديش بهدف جمع الأدلة في إطار التحقيق حول الجرائم المرتكبة ضدهم على يد قوات الجيش ومجموعات مسلحة في ميانمار. وقال رئيس الوفد مدير قسم الاختصاص القضائي لدى المحكمة فاكيسو موشوشوكو، إن مفتشي المحكمة سيحققون حول من خطط للجرائم بحق الروهينغا، ومن ارتكبها ومن شارك فيها أو ساعد على ارتكابها. وشدد على أن العدالة ستأخذ مجراها في هذه القضية، سواء تعاونت ميانمار أم لا. وأوضح أن أعضاء وفده سيشرحون للاجئين طبيعة مهمتهم وسيجيبون على تساؤلاتهم حول ما يمكن توقعه وما سيحدث بعد ذلك، من أجل الكشف عن حقيقة ما حدث لشعب الروهينغا في ميانمار، مؤكدا أن الوفد لم يأت بعد للتحقيق، بل لتقديم المعلومات وجمع الأدلة، وإن مهمته التي لم يتم تحديد موعد انتهائها، ستحاط بالسرية لسلامة التحقيق، وأمن جميع المعنيين، بمن فيهم الضحايا والشهود. وجاء تحرك محكمة الجنايات الدولية بعد أيام من إصدار محكمة العدل الدولية أمرا لميانمار طالبتها فيه باتخاذ خطوات ملموسة لمنع الإبادة الجماعية للروهينغا، أحد أكثر الشعوب تعرضا للاضطهاد في العالم، واتخاذ خطوات فعالة للحفاظ على الأدلة المتعلقة بقضية الإبادة الجماعية. كما أمرت المحكمة ميانمار أيضا بتقديم تقرير عن تنفيذها للأمر خلال أربعة شهور، ثم كل ستة شهور بعد ذلك. وجاء هذا الأمر بعد أن رفعت غامبيا في 11 نوفمبر 2019 دعوى أمام محكمة العدل الدولية، ذكرت فيها أن الفظائع المرتكبة من قبل ميانمار بحق الروهينغا بولاية راخين تنتهك أحكام اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1984. وطلبت في دعواها، باتخاذ تدابير مؤقتة وعاجلة بغية الحفاظ على حقوق تلك الأقلية، وهو ما قضت به "العدل الدولية"، في 23 يناير الماضي. وقد وقفت الزعيمة السياسية لميانمار "أونغ سان سوتشي"، أمام محكمة العدل الدولية مدافعة عن بلادها وجيشها، ومنتقدة الإدانة الدولية لها في موضوع الإبادة الجماعية، قائلة: إن ذلك كان له تأثير سلبي على مساعي ميانمار لتحقيق الاستقرار والتقدم بولاية راخين، ولم تستخدم سوتشي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام كلمة "روهينغيا" خلال مرافعتها، واستعاضت عنها بكلمات مثل مدنيين ومسلمي أراكان. وقال مراقبون إن سوتشي، لم تقدم دفاعا مقنعا وحاولت الدفاع عن العسكريين الذين قاموا بدور رئيسي في جرائم الإبادة بحق مسلمي أراكان. واعترفت سوتشي، باستخدام جنود بلادها قوة غير متناسبة خلال التعامل مع الروهينغا، لكنها قالت إن الأمر لا يرقى إلى حد الإبادة الجماعية. وفي مقال صحفي وعدت مستشارة الدولة مرة أخرى بإجراء تحقيقات مع المدنيين المتهمين بنهب القرى أو إحراقها، مضيفة أن جرائم الحرب التي قد يكون ارتكبها أفراد من أجهزة الدفاع ستتم مقاضاتها من خلال نظام القضاء العسكري. لكنها اعترفت بأن ضمان المساءلة من جانب القوات المسلحة لن يكون بالأمر السهل. واعتبرت المؤسسات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان أمر المحكمة بأنه بالغ الأهمية لحماية من تبقى من الروهينغا بولاية راخين، الذين أكدت تقارير دولية أنهم يواجهون حاليا مخاطر الإبادة الجماعية أكثر من أي وقت مضى. وكانت بعثة أممية لتقصي الحقائق أكدت بعد زيارة معسكرات لاجئي الروهينغا في بنغلاديش مؤخرا أن الانتهاكات العسكرية التي ارتكبت في ولايات كاشين وراخين منذ 2011 "ترقى بلا شك إلى أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي، وطالبت أن يواجه كبار المسؤولين العسكريين في ميانمار، بمن فيهم رئيس الأركان الجنرال مين أونغ هلاينغ، التحقيق والملاحقة القضائية بتهمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثين شهرا على بداية مأساة اللاجئين الروهينغيين، يؤكد من وصل منهم إلى بنغلاديش في الأشهر الأخيرة استمرار انتهاكات قوات الأمن في ميانمار، بما فيها عمليات القتل وحرق المباني المتعمد والإخفاء القسري والابتزاز والقيود الشديدة على الحركة ونقص الغذاء والرعاية الصحية. كما أبلغوا عن اختطاف نساء وفتيات في القرى ونقاط التفتيش على طول الطريق المؤدي إلى بنغلاديش. وقالوا إن سلطات ميانمار أمرتهم بقبول بطاقة التحقق الوطنية التي لا تقدم الجنسية، ولا تسمح بمغادرة ميانمار. ويقول المراقبون إن الروهينغا لايريدون سوى العدالة والعودة الآمنة إلى ديارهم وقراهم ومزارعهم، لكن التحقيقات الدولية ستستمر بعض الوقت قبل الكشف عن حقيقة ما حدث، وقد تستغرق القضية سنوات قبل أن تصدر المحكمة حكمها. ومهما كانت الأحكام والنتائج فلن يكون بمقدورها أن تقدم الكثير لشعب الروهينغا، ولن تعيد لهم الآباء والأبناء والأحباء الذين فقدوهم، ولن تؤثر بشكل مباشر على كيفية عيشهم البائس في المخيمات. ويعتقد المراقبون أن كل ما يمكن للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية القيام به من خلال هذا التحقيق هو جمع الأدلة وتقديم ما حدث لقضاة المحكمة بلاهاي، في دليل على عزم الأسرة الدولية على عدم التسامح مع الجرائم التي تنتهك كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، والتأكيد بأن هذه الحكايات والجرائم لا يمكن أن تنسى، وأن المدانين بالمسؤولية الكبرى عنها سوف يقفون أمام العدالة، وأنه لا يمكن وغير مقبول لحكومة ميانمار أن تختبئ وراء أصدقائها الأقوياء أو راية السيادة للهروب من مسؤولياتها بموجب الاتفاقيات والقوانين والمعاهدات الدولية.
مشاركة :