"هيئة الحقيقة والكرامة" قدمت تقريرها النهائي في انتظار إدخال إصلاحات وإجراء محاكمات وتعويض الضحايا قبل المصالحة- أطراف سياسية تقول إن مسار العدالة بطيء وتتحدث عن مبادرات بديلة يقول منتقدون إنها تقوم على العفو والمصالحة دون محاكمة مر أكثر من شهر على اختتام "هيئة الحقيقة والكرامة" في تونس أعمالها بإصدار تقرير نهائي ستنشره قريبا، دعت فيه بالأساس إلى إجراء إصلاحات تمنع تكرار الانتهاكات لحقوق الإنسان، وتعويض ضحايا نظام الاستبداد، تحقيقا للعدالة الانتقالية. مسار العدالة الانتقالية انطلق عبر جلسات استماع سرية لضحايا الاستبداد، إضافة إلى أكثر من 14 جلسة علنية على شاشة التلفزيون، تم فيها الاستماع لأكثر من 200 ضحية، وصولا إلى انطلاق محاكمات منتهكي حقوق الإنسان، في مايو/ أيار الماضي. و"هيئة الحقيقة والكرامة" في تونس هي الوحيدة التي تشكلت في إحدى الدول العربية، التي أطاحت ثورات الربيع العربي، منذ أواخر 2010، بالأنظمة الحاكمة فيها. وهي الثانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد "هيئة الإنصاف والمصالحة" المغربية، التي أنشأها الملك محمد السادس، عام 2004، للتحقيق في انتهاكات لحقوق الإنسان، خلال عهد والده، الحسن الثاني (1961: 1999). سلمت الهيئة التونسية، مطلع يناير/ كانون الثاني 2019، تقريرها الختامي إلى رئيس الجمهورية، في انتظار تسليمه إلى كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان). تسليم التقرير يمثل تطبيقا لما جاء في الفصل 67 من قانون العدالة الانتقالية، الذي يقضي بأن تقدم الهيئة تقارير إلى كل من رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب. ** انتقادات وعقبات تعرضت الهيئة لانتقادات عديدة، لا سيما تلك التي صدرت مؤخرا عن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، عندما اعتبر أن "العدالة الانتقالية فشلت، بسبب تأخر إرسائها بسنوات بعد الثورة (الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، عام 2011)، كما أنه تم تسييسها، إضافة إلى أن الشخصية غير التوافقية لرئيسة الهيئة (سهام بن سدرين) أزمت الأمور إلى حد ما". الشاهد أعلن حينها أن "الحكومة تعتزم اقتراح مسار آخر، عبر مشروع قانون لاستكمال مسار العدالة الانتقالية، حتى يتم تحقيق المصالحة الشاملة، وكشف الحقيقة، ورد الاعتبار". وذكرت وسائل إعلام تونسية أن الشاهد بعث بمراسلة إلى البرلمان، يطلب فيها اتخاذ قرار حاسم لإيقاف عمل الهيئة، التي اعتبر أنها "منتهية قانونيا". ** إنصاف وتسوية حركة "النهضة" (شريك في الائتلاف الحاكم) لم تكن بعيدة بدورها عن الحديث المتواتر بشأن مسار العدالة الانتقالية. ففي أواخر أكتوبر/ تشرين أول الماضي، طرح رئيس "النهضة" (إسلامية ديمقراطية) راشد الغنوشي، مبادرة دعا فيها إلى استكمال مسار العدالة الانتقالية، بالتركيز على إنصاف الضحايا، وتسوية الملفات العالقة، بعيدا عن منطق التشفي والانتقام، تحقيقا للمصالحة الوطنية الشاملة. وهو ما فهم حينها بأنه دعم لعفو عام عن من يعترفون بجرائمهم ويعتذرون عنها. الشريك الرئيس الآخر في الحكم بتونس، وهو حزب "نداء تونس" (ليبرالي)، ينتمي إليه مسؤولون تقلدوا مناصب خلال حكم "بن علي" (1987: 2011). ووجه هؤلاء انتقادات عديدة إلى "هيئة الحقيقة والكرامة"، خاصة وأن مهمتها هي الكشف عن "جرائم" في عهد "بن علي". ** مهام أخرى اليوم ثمة تساؤلات كثيرة بشأن مدى نجاح "هيئة الحقيقة والكرامة" في أداء المهام التي أوكلت إليها منذ إحداثها وانتخاب أعضائها، عام 2013، والمتمثلة في تنفيذ قانون العدالة الانتقالية بخصوص الانتهاكات لحقوق الإنسان في عهدي الحبيب بورقيبة (1956 - 1987) وزين العابدين بن علي، وفترة ما بعد الثورة حتى نهاية ديسمبر/ كانون أول 2013. اعتبر عضو الهيئة عادل المعيزي، في تصريح للأناضول، أنها "حققت المهام الموكلة لها، رغم كل التعطيلات والصراعات التي واجهتها، واستكملت أشغالها بإصدار تقريرها الختامي ." وتتمثل أهم التوصيات التي تضمنها التقرير في: إدخال إصلاحات لضمان عدم تكرار الانتهاكات، وتعويض الضحايا، والمساءلة القضائية، ومن ثم المصالحة. وتابع المعيزي أن "الهيئة بحثت في حالات الاختفاء القسري، التي لم يعرف مصيرها، وأحالت النتائج إلى القضاء لمواصلة البحث". ورأى أن "مسار العدالة الانتقالية لا ينتهي بنهاية عمل الهيئة.. هناك نظر في عمل المحاكم المتخصصة وصندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد وتعويض الضحايا وكل ما يتعلق بالسلطة التنفيذية، التي أسند إليها القانون فترة سنة من تاريخ صدور التقرير الشامل لإعداد خطة وبرامج عمل لتطبيق توصيات الهيئة ." ** مبادرات بدلية بدوره، رأى منسق التحالف التونسي للكرامة ورد الاعتبار (غير حكومي) حسين بوشيبة، أن "صدور التقرير النهائي لهيئة الحقيقة والكرامة هو في حد ذاته نجاح لمسار العدالة الانتقالية، رغم العراقيل والصعوبات والتحديات والمخاطر، التي تعرضت لها على امتداد سنوات عملها". وأعرب بوشيبة، في تصريح للأناضول، عن "رفض أي مبادرة قانونية لشطب المحاكم المتخصصة، فالمصالحة لا يمكن أن تحل محل القضاء، ولا يمكن طي الصفحة بسهولة". واعتبر أن "التعويض دون مساءلة هو بمثابة رشوة للضحايا لشراء ذممهم.. النداء والشاهد وحركة النهضة يريدون التوجه إلى المصالحة والتعويض.. وكلها مبادرات تهدف إلى العفو عن منتهكي حقوق الإنسان.. فيما نريد ضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات". ويقول منتقدون إن سعي أطراف فاعلة إلى إجراء مصالحات دون محاكمات إنما يهدف إلى تحقيق مصالح سياسية، ضمن صراعات بين هؤلاء الفاعلين. وشدد بوشيبة على أنهم "مع مصالحة حقيقية تكون بعد المساءلة واستكمال المسار القضائي.. التعويض للضحايا هو التزام قانوني ومطلوب من الحكومة تنفيذه." وزاد بقوله: "لا يمكن التخلي عن مبدأ مساءلة ومحاسبة من انتهك حقوق الإنسان عبر فكرة العفو والمصالحة.. لابد من تحقيق مبادىء الوحدة وأهداف السلم الاجتماعي بأن لا يفلت من العقاب كل من أجرم بحق التونسيين." وشدد على ضرورة "إبعاد العدالة الانتقالية عن التجاذبات السياسية، لكن نعتقد أنه موضوع قد وقع تسيسه، وأصبح في قلب الصراع السياسي". وأردف: "مادمنا لم نحسم في مسألة سقوط النظام القديم والانتقال إلى الديمقراطي.. فإن ذلك يضر بشكل كبير بمسار العدالة الانتقالية، ولو بقينا بعيدين عن كل هذه التجاذبات لوصلنا إلى طي الماضي وتحقيق المصالحة الوطنية". ** موقف الشاهد بخصوص موقف رئيس الحكومة من الهيئة، اعتبر بوشيبة أن الشاهد "حكم على أعمالها بالفشل قبل أن يقرأ التقرير، وذهب إلى تقديم مشروع قانون لاستكمال المسار، ونحن طبعا نرفضه". ومنتقدا الشاهد، قال المعيزي بدوره إنه "لا يمكن لرجل سياسة مثل رئيس الحكومة، إصدار حكم بات ونهائي عن نتائج لم يطلع عليها بعد.. لا بد أن يطلع جيدا على التقرير الختامي، وهناك قانون يلزم الجميع بتنفيذ توصيات الهيئة". وتابع: "لا يمكن لأي مبادرة أن تتم إلا عبر الحوار والتوافق والابتعاد عن التجاذبات السياسية، والاقتناع بأننا في ظل نظام جديد بصدد تصفية ومعالجة إرث النظام القديم". وحذر من أنه "في حال اعتبرنا أننا لازلنا في نظام قديم، فإن الدولة والشعب ستواجه صعوبات كبرى، وكذلك المسار بأكمله". وينص الفصل 70 من القانون المنظم للعدالة الانتقالية على أن تتولى الحكومة، خلال سنة من تاريخ صدور التقرير الشامل عن الهيئة، إعداد خطة وبرامج عمل لتنفيذ توصيات ومقترحات الهيئة، وتقديم خطة وبرنامج إلى المجلس المكلف بالتشريع لمناقشتها. وذكرت تقارير إعلامية تونسية أن الأحزاب السياسية الحاكمة اتفقت على ضرورة تعديل المسار واستكماله سريعا، لا سيما وأن مدة عمل هيئة "الحقيقة والكرامة" قد انتهت. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :