خالد الشناوي يكتب: حملت جبال الحب فيك وإنني

  • 2/8/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بين حلاج يقول :“أشرقت شمس من أحب” وحجاج يصيح”إنى أرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها” يمضى تاريخ البشر. ويحفل تاريخ الشعر بالمقتولين, منهم متصوفة عرب او فرس كالحلاج والسهروردى,وأدباء قدامى كابن المقفع,ومحدثون من شعراء الإسبانية كلوركا ونيرودا.وفى شعر الحب الإلهى العربى إشراقات وشطحات وكلام لا يقال,ولكن الحب صادق,لم يكتمه الحلاج فمات,وكتمه آخرون أو اكتفوا بالتلميح دون التصريح,فعاشوا مدتهم على الأرض فى سلام نسبى. ومن كانت لكلماته أجنحة عاش فى الذاكرة,سواء عمّر حتى جاوز التسعين أو مات على الصليب.وكم من شعراء ذابوا شوقا فأذابوا بخطراتهم الرقيقة العاشقون اشتياقًا وغردوا على أوتار القلوب فخرجت كلماتهم لحن قوافي يسبي ويسري بين الأفئدة رقوا وارتقوا فصارت حروفهم ألسنه تطير حيث لا أين ولا بين فتقع العين منهم على العين ....لا يحدهم زمان أو مكان يعزف قوافيهم أهل الحب الإلهي جيلا بعد جيل فكم تضطرب أجسامهم وجلا واضطرابا لنقر دف أو ضرب عود أو أنين ناي ... وكأن صوته يقول منذ قطعت من شجر الغاب وأنا أحن إلى أصلي ....في جمال الكون تراهم هائمون يشهدون فيه جمال المكون سبحانه  يدفعهم الشوق ويحركهم التوق إلى ديار ليلاهم .. وكل منهم على ليلاه يغني ...!لا سيما أن الحب والعشق لدى البشر هما الانفعالات والعواطف التي تختلج بالقلب والنفس عند رؤية المحبوب.فهما الرباط الواصل بين قلبين، والشوق والوجد والوله واللقاء.حملت جبال الحب وفيك وإنني لأعجز عن حمل القميص وأضعف أما العشق الإلهي فله مذهب آخر عند المتصوفة .. أهل العشق الإلهي منهم بصفة خاصة.فعلى الرغم من أن الحب كعاطفة هو واحد، إلا أن الحب الإلهي هو حب منزه عن أية شهوة دنيوية أو رغبة ماديةفنراه الحب الروحاني الذي يواكب سمو الروح، وهو العشق الذي لا يزول، والإيمان اللا محدود (كل حب لغير الله ينهار).يقول ابن عربي في كتابه لوازم الحب الإلهي: «لوازم الحب تكسوني هويتها .. ثوب النقيضين مثل الحاضر الساهي».ويستعرض ابن عربي في كتابه ما رآه فرضًا ولزامًا علينا للوصول لتلك الدرجة من الحب الإلهي، فيقول: إن مشاهدة المحبوب هي البغية، ولها آداب تتبع، فعلينا أن نكون أكثر استعطافًا لرضا المحبوب واستلطافًا به، فنصل لدرجة من الوله الغالب على القلب، وأن الدمع والبكاء لشوقٍ أو لحنين يطهران القلب المُحبوأن البوح والإفشاء والإعلان لا يأتيان، إلا بعد أن يغلبنا سلطان الحب؛ فنعشق، ويقول عن هذا: إن البوح أبلغ في المحبة من الكتمان، فصاحب الكتمان ذو سلطان على الحب، أما البائح فيغلبه سلطان الحب، فهو أعشق.يسلك العاشق  طريق العشق بخطوات ثابتة، ليرتفع على جبل الحبّ متطلّعًا نحو السّماء حيث وطنه الأبديّ.واللهِ لَوْ حَلَفَ العُشَاقُ أَنَّهُمُمَوتَى من الحُبِّ أَو قَتلى لما حَنَثواإنّ هذا الحبّ الرّاقي والمتسامي يفتك بكيان الإنسان، عقلًا وروحًا، فيخطف العقل بعظمته السّماويّة ويصوغ منه أفكارًا مستنيرة تتدلّى من كرمة الحكمة. ويسلب الرّوح أشواقها ليحيكها ثوبًا زاهدًا له وحده.هو الحبّ الّذي يمسك بيد الإنسان ويسير به في طريق مؤلم ولا نقول موجع، فشتّان بين الألم والوجع. فالأوّل عطر السّعادة الّتي تنبع من فيض الفرح، يتنسّم في حنايا الرّوح ليمنحها نشوة لا يعرفها إلّا من لامس الحقيقة وعايشها. وأمّا الثّاني فوخزات عذاب يسكّنها مخدّر ويخفّفها طبيب.سرّ الحبّ الحقيقيّ، داء الألم يفتك بالجسد والرّوح ويسير به نحو الموت الّذي هو عتبة الحياة. ليس الموت من الحبّ بدعة أو شغفا زائلا، وإنّما غاية يسعى إليها المحبّون ليتحرّروا من كلّ قيود العالم الفاني، ليحيوا في العالم الباقي.وإن أقسم العشّاق أنّهم سيموتون حبًّا، فهم صادقون، لأنّ الموت بالنّسبة لهم باب الحياة.قَوْمٌ إِذا هُجِروا مِن بَعْدِ ما وُصِلواماتوا، وإنْ عادَ وَصْلٌ بَعْدَهُ بٌعِثواالموت ربح لمن دخلوا سرّ الحبّ وعاينوه حقيقة مطلقة، فينتفي عنه معنى النّهاية الحتميّة، ويصبح المبتغى إذ إنّه يشرّع لهم أبواب الحياة.يقول الفيلسوف الفرنسي "تاليران- Talleyrand" إنّ الموت هو فعل حرّيّة بامتياز، والمعنى أنّ بالموت نتحرّر من كلّ ما يقيّدنا جسديًّا وفكريًّا وروحيًّا، وننطلق كقيمة إنسانيّة نحو الكمال المطلق. وبذلك، لا همّ إن تفرّق المحبّون، فهم ومتى انفصلوا عن الزّمان والمكان عبروا إلى اللّازمان واللّامكان، ليبعثوا في حياة جديدة.

مشاركة :